صراع على العراق

صراع على العراق

صراع على العراق

 لبنان اليوم -

صراع على العراق

بقلم : خيرالله خيرالله

تعرف إيران قبل غيرها أنّ الانطلاقة الجديدة لمشروعها التوسّعي في الإقليم لم تكن ممكنة من دون العراق. كانت إيران الشريك الأساسي في الحرب الأميركية على العراق في العام 2003. قدمت إلى الأميركيين في عهد إدارة جورج بوش الابن كل المطلوب منها من تسهيلات كي لا يكون هناك عائق برّي أو جوّي أو بحري إيراني في وجه وصول القوات الأميركية إلى بغداد. هذا حصل بالفعل. قبضت إيران ثمن تسهيلاتها مسبقا ولاحقا.

قبضت مسبقا عندما تحدّث مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن في كانون الأوّل – ديسمبر من العام 2002 عن “الأكثرية الشيعية في العراق”. انعقد المؤتمر برعاية إيرانية – أميركية، ووضع الأساس للنظام الجديد الذي سيقوم في العراق وفي أساسه أن يكون هذا النظام مرتكزا على التوزيع الطائفي. وقبضت إيران ثمنا لاحقا عندما تشكل مجلس الحكم الانتقالي في العراق الذي كرّس تهميش السنّة العرب. جاء في هذا السياق قرار بول بريمر المفوض السامي الأميركي في العراق والقاضي بحل الجيش العراقي ليؤكّد أن إيران قادرة على أن تأخذ كلّ ما تريده وتطمح إليه من الأميركيين.
اعتبرت إيران أنّ العراق صار في الجيب إلى أن دخلت في مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة بعدما وجدت إدارة دونالد ترامب أن الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني، الموقّع صيف العام 2015 في عهد باراك أوباما، ليس سوى غطاء لإيران. استخدمت إيران هذا الغطاء لتسهيل عملية تمويل ميليشياتها المذهبية ونشرها في المنطقة كي يتسنّى لها التحكّم بقرار هذه الدولة العربية أو تلك، تماما كما هو حاصل حاليا في العراق ولبنان، وإلى حدّ كبير في سوريا حيث على إيران أن تأخذ في الاعتبار المصالح الروسية. هذه المصالح لا يمكن إلا أن تكون مصالح روسية – إسرائيلية في المدى الطويل.

في الإمكان سرد لائحة طويلة بما حقّقته إيران من نجاحات منذ الاجتياح الأميركي للعراق، وصولا إلى الصفقة التي توصلت إليها مع إدارة باراك أوباما عندما اتخذ في العام 2010 قرارا بالانسحاب عسكريا من العراق. يمكن البدء بإدخال إيران ميليشياتها العراقية وقادة هذه الميليشيات على ظهر دبابة أميركية إلى بغداد تمهيدا لقيام “الحشد الشعبي”.

يمكن أيضا الذهاب إلى عملية اغتيال رفيق الحريري والأحداث التي شهدها لبنان منذ شباط – فبراير 2005، وصولا إلى قيام تركيبة لبنانية جديدة نتيجة أمرين. أولهما إغلاق مجلس النواب سنتين ونصف سنة كي يصبح مرشّح “حزب الله” رئيسا للجمهورية. أمّا القرار الآخر فيتمثل بالقانون الانتخابي العجيب الغريب الذي ولد منه مجلس للنوّاب، أقلّ ما يمكن قوله عنه إنّ لـ”حزب الله” السيطرة على الأكثرية فيه.

قبل القرار الأميركي باحتلال العراق وقلب نظام صدّام حسين، استفادت إيران إلى أبعد حدود من غباء الرئيس العراقي بين 1979 و2003. استفادت على وجه الخصوص من المغامرة المجنونة لصدّام في الكويت ومن الوجود السوري في لبنان. أخذت علاقتها مع دمشق بعدا جديدا بعد خلافة بشّار الأسد لوالده وظهور أن الرئيس الجديد للنظام السوري معجب إلى أبعد حدود بتجربة إيران في لبنان، وهي تجربة قائمة على تمكين ميليشيا مذهبية تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني من نهش البلد بطريقة مدروسة، وصولا إلى مرحلة استطاعت فيها الوصاية الإيرانية الحلول مكان الوصاية السورية…

يظلّ العراق حجر الزاوية بالنسبة إلى إيران وجوهرة التاج في المشروع الفارسي. هذا ما يفسّر الضغوط التي تبذلها طهران حاليا على كبار المسؤولين في بغداد، على رأسهم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الذي ذكّره وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أثناء وجوده في بغداد بأمور عدّة. من بين هذه الأمور أن عليه تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع إيران، خصوصا تلك المتعلّقة بخطوط السكة الحديد التي تربط بين البلدين.

لا يزال العراق بالنسبة إلى إيران الطريق الأقصر لتجاوز العقوبات الأميركية، ولا يزال الورقة الأساسية التي تستطيع إيران لعبها على الصعيد الإقليمي وذلك من دون التقليل من أهمّية “حزب الله” في لبنان بالنسبة إلى الإستراتيجية الإيرانية ككلّ، عربيا ودوليا.

ستزداد الضغوط الإيرانية على العراق. لا تستطيع إيران ترك العراق يُفلت منها بأي شكل. ستذكّر عادل عبدالمهدي بأنّه لولاها، لكان حيدر العبادي عاد رئيسا للوزراء بعد انتخابات أيّار – مايو من العام الماضي. عملت إيران كلّ شيء من أجل منع عودة العبادي إلى موقع رئيس الوزراء. عاقبته على إتباع سياسة “العراق أوّلا” على الرغم من انتمائه إلى حزب “الدعوة” الذي لم يكن يوما بعيدا عن “الجمهورية الإسلامية”. الأكيد أن عبدالمهدي، الذي لم يستطع إلى الآن استكمال تشكيل حكومته، يتذكّر كلّ يوم ما حلَّ بسلفه.

الأهمّ من ذلك كلّه، أن العراق يظل بالنسبة إلى إيران المكان الذي تستطيع منه تهديد الولايات المتحدة. هناك قناعة راسخة في طهران بأنّ إدارة ترامب لا تتحمّل مقتل عشرين جنديا أميركيا وأن في استطاعتها تجنب أي حرب نظرا إلى أن الجنود الأميركيين في العراق مجرّد رهائن لدى إيران.

هل الحسابات الإيرانية في محلّها في وقت تعرف طهران أن ترامب لا يحب المغامرات العسكرية بل يعشق المساومات التي تسبقها تهديدات وضغوط مثله مثل أي رجل أعمال؟

سيظل الصراع الأميركي – الإيراني على العراق مستمرّا لفترة طويلة. قد تكون الحسابات الإيرانية في محلّها، خصوصا أن لديها كمية لا تحصى من الميليشيات التي تستطيع استخدامها لمهاجمة جنود أميركيين أو أهداف أميركية في العراق وإخفاء هوية المهاجم، كما حصل أخيرا لدى إطلاق صاروخ في اتجاه السفارة الأميركية في بغداد. هذا لا يمنع التساؤل ما الوضع الداخلي في العراق، وهل هناك استعداد شعبي عراقي للرضوخ للقرار الإيراني؟

سيعتمد الكثير على المزاج الشعبي الشيعي في العراق. حققت إيران اختراقات كبيرة داخل هذا الجسم، لكنّ مؤشرات كثيرة تدلّ على أن الصراع الأميركي – الإيراني في العراق لم يحسم بعد لمصلحة إيران، خصوصا أن المرجعية الشيعية في النجف لا تزال تنادي باستقلال القرار العراقي وبضرورة الدفاع عن مصالح العراق.

فوق ذلك كلّه، ليس ما يضمن لإيران، على الرغم من كلّ استثماراتها في العراق، تحويله إلى مستعمرة لها. فبعد كلّ هذه السنوات من عودتها منتصرة إلى بغداد، بفضل الأميركيين أولا، ليس لديها ما تقدمه للعراق والعراقيين غير البؤس والتخلّف والذلّ تحت عنوان كبير هو الميليشيات المذهبية المنضوية في “الحشد الشعبي”.

في نهاية المطاف، هناك عامل لا يمكن تجاهله في الصراع الإيراني – الأميركي على العراق. هذا العامل هو موقف العراقيين منه، خصوصا شيعة العراق، الذين لا يزال قسم كبير منهم يرفض فكرة الهيمنة الإيرانية في وقت يبدو أن أميركا قرّرت خوض حرب العقوبات بدل الحرب العسكرية على إيران…

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع على العراق صراع على العراق



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:49 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 لبنان اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon