العصري الظاهري وسرّ نجاحه المغربي

العصري الظاهري وسرّ نجاحه المغربي

العصري الظاهري وسرّ نجاحه المغربي

 لبنان اليوم -

العصري الظاهري وسرّ نجاحه المغربي

بقلم : خير الله خير الله

لندن - منذ التحاقه بالسلك الدبلوماسي في العام 1978، إلى تقليده لأرفع وسام مغربي قبل شهرين، عندما استقبله الملك محمّد السادس، يختزل السفير العصري الظاهري النجاح الذي يمكن أن يحقّقه عدد قليل من الدبلوماسيين في عالمنا. هؤلاء يتركون بصمة حيثما حلّوا، فضلا عن أنّهم يعطون صورة حقيقية ذات طابع إيجابي وحضاري عن البلد الذي أتوا منه ومثّلوه.

شغل العصري الظاهري موقع سفير دولة الإمارات العربية المتّحدة في الرباط بين العامين 2011 و2016. كان يمكن أن يغادر العاصمة المغربية مثله مثل أيّ سفير آخر، أي بزيارة وداع بروتوكولية للعاهل المغربي. لكنّ محمّد السادس، الذي يتابع التفاصيل بدقّة ليس بعدها دقّة، أبى إلّا أن يكرّم العصري، أو “أبو أحمد” كما يسميه أصدقاؤه والمقرّبون منه. جاء تكريمه، بتقليده الوسام الأرفع في المغرب، بمثابة تكريم لدولة الإمارات التي عرفت باكرا أهمّية المغرب من جهة وأهمّية العلاقات الوثيقة بين البلدين من جهة أخرى.

المهمة العربية الجليلة

أدرك العصري الظاهري باكرا ماذا تعني مهمّته في المغرب. وفّر له وجوده في المملكة المغربية مناسبة ليعبّر بالملموس عن فهمه لطبيعة العلاقات بين البلدين ولأهميّة المغرب نفسه وللدور الذي تستطيع الإمارات لعبه في مجال المساهمة في نجاح التجربة المغربية الفريدة من نوعها في عالمنا العربي.

يعود نجاحه إلى التراكم في الخبرة لدى دبلوماسي عرف كيف يعلي شأن الموقع الذي هو فيه. صحيح أن هناك دبلوماسيين يشغلون مواقع في بلدان وعواصم ومدن مهمّة، لكنّ الصحيح أيضا أن هؤلاء لا يستفيدون من التجارب التي مرّوا بها، بالمقدار الكافي. هؤلاء يعتمدون على المنصب كي يعلو شأنهم، في حين أن آخرين مثل العصري يرفعون من شأن المنصب الذي هم فيه.

استطاع العصري الظاهري، الذي مر بجنيف كدبلوماسي مبتدئ ثم كرئيس للبعثة الدبلوماسية الإماراتية لدى مقرّ الأمم المتحدة في هذه المدينة السويسرية، أن يصنع فارقا. في النهاية لا شيء ينجح مثل النجاح. صنع فارقا أينما حلّ، أكان ذلك سفيرا في المنامة أو واشنطن أو الرياض.. وصولا إلى الرباط.

لماذا نجح العصري الظاهري ولماذا استحقّ كلّ هذا التكريم المغربي؟ يكمن سرّ العصري الظاهري في أنّه عاشق لبلده ومؤمن بمدرسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وهي مدرسة، ذات طابع إنساني، قائمة على بناء جسور التعاون وبناء المصالح المشتركة. مدرسة تجمع بين الفكر السياسي العميق والتعبير عنه بأفكار بسيطة مرتبطة بالمنطق يستطيع المواطن العادي استيعابها.

    ميزة هامة من ميزات العصري الظاهري تتجسد في قربه من القيادة الإماراتية وتواضعه وقدرته على استيعاب الأمور المعقدة. عامل الثقة الآتية من القيادة الإماراتية في غاية الأهمية لنجاح أي سفير. فكيف إذا كانت الثقة مبنية على التجربة العميقة التي تولدت من محطات جنيف وواشنطن والرياض والمنامة؟

ليس سرّا أنّ تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة كانت التعبير الأوّل عن رؤية الشيخ زايد التي ورثها عنه أبناؤه. فالإنجاز الاوّل الذي حقّقه الشيخ زايد كان إنجازا داخليا بتوحيده بين الإمارات السبع وتحويلها إلى دولة عصرية ذات تجربة متقدّمة في كلّ المجالات من دون أيّ عقدة من أيّ نوع كان. بنى مصالح مشتركة بين أبناء شعب واحد انصهر في دولة الإمارات اوّلا. انتقل بعد ذلك إلى محاولة تعميم هذه التجربة في كلّ العالم العربي.

كانت العلاقات الإماراتيةـ المغربية متطورة أصلا، خصوصا أنها بنيت على أسس سليمة بعيدا عن الشعارات والمزايدات. بناها رجلان واقعيان هما الشيخ زايد والملك الحسن الثاني، رحمهما الله. استمرّت هذه العلاقات في التطوّر في كلّ الاتجاهات في عهد محمد السادس وصولا إلى ما وصلت إليه بفضل بعد النظر الذي يتمتع به محمّد السادس وأبناء الشيخ زايد، على رأسهم رئيس الدولة الشيخ خليفة ووليّ العهد في أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد.

تحديات المغرب

جاء اختيار العصري الظاهري ليكون سفيرا في الرباط بمثابة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في المرحلة المناسبة وذلك في إطار يتجاوز العلاقة بين بلدين عربيين يستطيع كلّ منهما أن يلعب دورا مكملا للآخر. لعب سفير الإمارات الجديد دورا فاعلا، بتوجيهات القيادة، من أجل توسيع إطار العلاقة الثنائية كي تصبح علاقة مغربيةـ خليجية. فمنذ العام 2012، أي بعد سنة من تولّي العصري سفارة الرباط، بدأت مرحلة جديدة في العلاقة بين المغرب والأردن من جهة ومجلس التعاون لدول الخليج العربية من جهة أخرى.
    
تكريم العاهل المغربي للظاهري بتقليده الوسام الأرفع في المغرب، يجيء بمثابة تكريم لدولة الإمارات التي عرفت باكرا أهمية المغرب من جهة وأهمية العلاقات الوثيقة بين البلدين من جهة أخرى
    

من ميزات العصري الظاهري قربه من القيادة الإماراتية وتواضعه وقدرته على استيعاب الأمور المعقّدة. ساعده ذلك في تسهيل مهمّته، خصوصا أن عامل الثقة الآتية من القيادة الإماراتية في غاية الأهمّية لنجاح السفير، أيّ سفير. فكيف إذا كان عامل الثقة هذا مبنيا على التجربة العميقة التي تولدت من محطات جنيف وواشنطن والرياض والمنامة؟ لكل مدينة من المدن الأربع ما توفّره للسفير الذي يخدم فيها. لكلّ مدينة من المدن الأربع نكهة خاصة بها وعالمها.

تساعد جنيف في فهم كيف تعمل الأمم المتحدة عبر مقرّها الأوروبي وفي سبر أغوار كواليسها. وتساعد واشنطن في فهم كيف يُتّخذ القرار في عاصمة القوّة العظمى الوحيدة في العالم. وتساعد الرياض في معرفة الكثير، بما في ذلك مراقبة التجاذبات مع إيران، فضلا بالطبع عن الصعود والهبوط في العلاقات الأميركيةـ السعودية. وتساعد تجربة المنامة في استيعاب مدى خطورة المشروع التوسّعي الإيراني القائم على إثارة الغرائز المذهبية في المجتمعات الخليجية والعربية.

جاء العصري الظاهري إلى الرباط حاملا كلّ هذا التراكم في الخبرات والتجارب، أميركيا وأوروبيا وخليجيا وعربيا. لم يكن نجاحه في مهمّته المغربية وليد صدفة، خصوصا أنّه فهم تماما أهمّية المغرب وأهمّية التجربة التي يقودها الملك محمّد السادس في ظل تحدّيات داخلية وإقليمية ودولية. كان لا بدّ من مساعدة المغرب في مواجهة كلّ هذه التحديات، ذلك أن أمن الخليج وأمن المغرب واحد.

    نجاحه يعود إلى التراكم في الخبرة لدى دبلوماسي عرف كيف يعلي شأن الموقع الذي هو فيه. صحيح أن هناك دبلوماسيين يشغلون مواقع في بلدان وعواصم ومدن مهمة، لكن الصحيح أيضا أن هؤلاء لا يستفيدون من التجارب التي مروا بها، بالمقدار الكافي

لم يكن نجاح العصري الظاهري في المغرب نجاحا لدولة الإمارات فحسب، كان نجاحا خليجيا ومغربيا أيضا، خصوصا أن الإمارات لعبت الدور المطلوب منها من أجل التمهيد لانعقاد القمّة المغربيةـ الخليجية في الرياض.

أكّدت هذه القمة التي جمعت، قبل أيّام، الملك محمّد السادس وقادة دول الخليج العربي مغربية الصحراء. للمرّة الأولى، هناك موقف موحد يعي تماما أن كلّ ما يمس الأمن الخليجي يمس المغرب وكلّ ما يمس أمن المغرب يمس أمن الخليج. هناك للمرّة الأولى أيضا موقف خليجي لا لبس فيه لا يترك مجالا لأيّ شك بأن الصحراء مغربية وأن هذا النزاع، إنما هو نزاع مفتعل تقف خلفه الجزائر منذ ما قبل العام 1975.

أدوار كبرى مكملة

سيفتقد أصدقاء العصري ابتسامته وروحه الطيّبة وأخلاقه العالية وعمق فهمه السياسي، كلما زاروا الرباط. تعويضهم عن غيابه عن العاصمة المغربية وعن كلّ مدينة من مدن المملكة، من أصيلة إلى مراكش مرورا بالدار البيضاء طبعا، في أنّه ساهم، بتوجيهات من القيادة في أبوظبي في استكمال وضع الأسس لعلاقات متينة وراسخة بين بلدين عربيين بات يكمل كلّ منهما الآخر. لم يكتف بذلك، بل انسحبت هذه العلاقة على دول الخليج أيضا. هل من نجاح أكبر من هذا النجاح لدبلوماسي عرف كيف يوظّف تراكم الخبرة في خدمة بلده وكلّ ما هو عربي في المنطقة.

هذا وفاء من رجل عربي للشيخ زايد ومدرسته قبل أيّ شيء آخر وأكثر من أيّ شيء آخر.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العصري الظاهري وسرّ نجاحه المغربي العصري الظاهري وسرّ نجاحه المغربي



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon