لماذا لا يمكن الوثوق بالحوثيين

لماذا لا يمكن الوثوق بالحوثيين

لماذا لا يمكن الوثوق بالحوثيين

 لبنان اليوم -

لماذا لا يمكن الوثوق بالحوثيين

بقلم:خير الله خير الله


يخطئ من يعتقد أن الحوثيين (أنصار الله) في اليمن تغيّروا. يخطئ أكثر من يتخيّل أن في استطاعتهم أن يتغيّروا أو أنّه يمكن أن يتغيّروا في غياب تبدّل حقيقي وجذري في موازين القوى العسكرية على الأرض. تؤكد ذلك المحاولات الأخيرة التي قاموا بها من أجل إطلاق صواريخ من صنعاء في اتجاه الأراضي السعودية، مستهدفين مواقع مدنية على وجه الخصوص. كشفت هذه الصواريخ مدى عدوانية الحوثيين من جهة، وصدق الذين أكّدوا منذ البداية أنّ ليس في الإمكان الوثوق بهم من جهة أخرى.
المسألة، في نهاية المطاف، في غاية البساطة. المسألة أن القرار الحوثي قرار إيراني ولا شيء آخر غير ذلك، تماما مثل قرار "حزب الله" في لبنان. توجّب على الحزب في مرحلة معيّنة المشاركة المباشرة في الحرب المستمرّة على الشعب السوري منذ العام 2011. لبّى الطلب الإيراني من دون تردّد. ليس "حزب الله" سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني، عناصره لبنانية. وليس "أنصار الله"، الذين يمتلكون علاقة قويّة إلى أبعد حدود بـ"حزب الله"، سوى لواء آخر في "الحرس الثوري"، عناصره يمنية.
هذه حال "أنصار الله" الذين تظاهروا في مرحلة معيّنة بأنّهم مستاؤون من القرار الإيراني بضرب منشآت "أرامكو" السعودية في أيلول الماضي عن طريق صواريخ انطلقت من الأراضي الإيرانية. لم يكن الاستياء، الظاهري، من ضرب إيران لمنشآت سعودية، بل من إلباس طهران الحوثيين عملية إطلاق الصواريخ وجعلهم يتبنونها.
تبيّن مع مرور الوقت أن لا استياء من أيّ نوع. هناك فقط سيناريو متفق عليه بين الحوثيين والإيرانيين من أجل تمكين "أنصار الله" من التفاوض مع السعودية بهدف الحصول على مساعدات، هم في حاجة شديدة إليها، في ظلّ تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية.
ليس صدفة أنّ تأتي المحاولات الحوثية الأخيرة لإطلاق صواريخ من صنعاء في اتجاه المملكة مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للرياض.
في تلك الزيارة التي قابل فيها بومبيو الملك سلمان بن عبدالعزيز، كما أجرى محادثات مع وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان، حصلت نقلة نوعية على صعيد التقارب السعودي – الأميركي في اتجاه موقف مشترك أكثر عمقا وثباتا في مواجهة الخطر الإيراني بكلّ أبعاده.
كشفت الزيارة مدى استيعاب الإدارة الأميركية الحالية لخطورة المشروع التوسّعي الإيراني من جهة، ومدى استعدادها للتصدّي له. جاءت تصفية قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني لتظهر أن الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب تعرف تماما أنّ لدى الولايات المتّحدة حسابات قديمة في حاجة إلى تصفية مع "الجمهورية الإسلامية". حسابات تعود إلى العام 1979 عندما احتجزت السلطات الإيرانية 52 دبلوماسيا أميركيا، كانوا يعملون في سفارة طهران، لمدّة 444 يوما. هناك تذكير أميركي دائم باحتجاز الدبلوماسيين هذه الأيام. هذا ما فعله ترامب لدى تهديده بالرد على أيّ عدوان إيراني يستهدف الأميركيين عن طريق ضرب 52 هدفا في الداخل الإيراني. يرمز كلّ هدف من هذه الأهداف إلى أحد الدبلوماسيين الأميركيين الذين احتجزتهم إيران.
جاء إطلاق الصواريخ من صنعاء بمثابة ردّ إيراني على زيارة بومبيو، والنتائج التي يبدو أنّها أسفرت عنها. أرادت إيران توجيه رسالة فحواها أنّ لديها قاعدة في اليمن، وأنّ الحوثيين ليسوا سوى أداة من أدواتها.
تكفي مراجعة سريعة لكلّ الاتفاقات التي توصّل إليها الحوثيون مع خصومهم في السنوات الست الأخيرة، أي منذ وضع يدهم على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول 2014، كي لا تعود هناك أي أوهام في شأن كيفية التعاطي معهم واللغة التي يفهمونها.
تخلّل المرحلة التي سبقت السيطرة الحوثية على صنعاء تمدّد حوثي في اتجاه محافظة عمران انطلاقا من صعدة. في سياق هذا التمدّد، استطاع "أنصار الله" تصفية وجود آل الأحمر، أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (توفي في العام 2007)، زعماء قبيلة حاشد. كان ذلك تطهيرا لعمران من نفوذ حزب التجمّع اليمني للإصلاح الذي تحوّل بعد وفاة الشيخ عبدالله حزبا يسيطر عليه الإخوان المسلمون كلّيا.
طمأنت خطوات الحوثيين الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي الذي لم يتردّد في التوصّل إلى تفاهمات مع "أنصار الله" في وقت كانوا في طريقهم إلى صنعاء. أخذوا بدربهم مواقع مهمّة كان يسيطر عليها اللواء 310 بقيادة العميد حميد القشيبي، المحسوب بدوره على الإخوان المسلمين وعلى اللواء علي محسن صالح الأحمر نائب رئيس الجمهورية حاليا، وهو من أقرباء علي عبدالله صالح وأحد الذين انقلبوا عليه في العام 2011.
فتح التخلّص من اللواء 310 أبواب صنعاء أمام الحوثيين الذين نسوا، فجأة، كل التفاهمات مع عبدربّه منصور هادي الذي أراد ممارسة لعبة التوازنات مع الإخوان المسلمين. ما إنْ وقّع الحوثيون في صنعاء "اتفاق السلم والشراكة" برعاية الأمم المتحدة ممثلة بجمال بنعمر، حتّى انقلبوا على الرئيس الانتقالي وأجبروه على الاستقالة بعد وضعه في الإقامة الجبرية. ما لبث عبدربّه أن استطاع الفرار من صنعاء إلى عدن في شباط 2015.
يمكن الحديث طويلا عن الأخذ والردّ بين الحوثيين في مرحلة ما بعد "اتفاق السلم والشراكة" الذي لم تكن له علاقة لا بالسلم ولا بالشراكة من جهة، وعلي عبدالله صالح الذي ائتمنهم من دون أن يأتمنهم من جهة أخرى. لكن الثابت في كلّ مرحلة من المراحل التي تلت يوم 21 أيلول 2014 أنّ الحوثيين طرف يمتلك حساباته الإيرانية. كلّ ما عدا ذلك مضيعة للوقت لا أكثر وتفاصيل يمكن التوقف عندها للتأكد فقط من أمر واحد. هذا الأمر هو أن لا فائدة من أي حوار مع الحوثيين على الرغم من أنّه لا يمكن تجاهل أنّهم جزء من المعادلة اليمنية، وأن لا مجال لتجاهلهم متى باتت الأجواء جاهزة لتسوية ما على صعيد البلد ككلّ.
لم يوقّع الحوثيون يوماً اتفاقاً والتزموا به. كان اتفاق ستوكهولم في أواخر السنة 2018 من أجل كسب الوقت ليس إلا. نجحوا وقتذاك، مستخدمين مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، في وقف المحاولة الجدية الوحيدة من أجل إبعادهم عن ميناء الحديدة الاستراتيجي.
لا جديد على الأرض في اليمن حالياً. المأساة اليمنية مستمرّة. ضحيتها كلّ يمني، بما في ذلك أهل صنعاء الذين عليهم العيش في ظلّ نظام متخلّف لا يمتلك أي مشروع حضاري من أيّ نوع.
كلّ الأبواب تبدو مغلقة أمام أيّ تغيير حقيقي في صنعاء… ما دامت إيران موجودة فيها أكثر من أيّ وقت.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا يمكن الوثوق بالحوثيين لماذا لا يمكن الوثوق بالحوثيين



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon