لماذا بقيت بيروت وفية

لماذا بقيت بيروت وفية

لماذا بقيت بيروت وفية

 لبنان اليوم -

لماذا بقيت بيروت وفية

بقلم :خير الله خير الله

كانت بيروت، كعادتها، وفيّة لمن أعاد إليها الحياة ووضعها مجددا على خارطة المنطقة والعالم في وقت كان هناك دائما من يسعى إلى تدمير المدينة، خصوصا قلبها، وعزلها عن محيطها العربي.

ليس انتصار “لائحة البيارتة” التي شكّلها الرئيس سعد الحريري في الانتخابات البلدية سوى انتصار لبيروت أوّلا في وجه التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان وعاصمته.

في مقدّمة هذه التحديات غياب رئيس الجمهورية والممارسات المنهجية لـ“حزب الله” التي تصب في ترييف بيروت وتحويلها إلى ضاحية فقيرة من ضواحي طهران، بدل أن تكون مدينة مزدهرة. فبيروت المزدهرة تساهم في دعم الاقتصاد اللبناني، وتصبح منطلقا لتعميم مشروع الإنماء والإعمار في كلّ بقعة من بقاع البلد، كما تجعل اللبنانيين يتمسكون بالبقاء في بلدهم بدل الهجرة إلى حيث يستطيعون الحصول على تأشيرة.

كانت تجربة الانتخابات البلدية تجربة مهمّة، كشفت أن لا شيء يمنع إجراء انتخابات في لبنان، بدءا بانتخاب رئيس الجمهورية. عرس لبنان الحقيقي في انتخاب رئيس للجمهورية، كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يعود إليه الفضل في إجراء الانتخابات البلدية بدءا ببيروت والبقاع.

لعلّ أهمّ ما كشفته هذه الانتخابات زيف ادعاءات “حزب الله” أن المملكة العربية السعودية تعطّل الانتخابات الرئاسية. هل السعودية هي التي تمنع نوّاب الحزب وأولئك التابعين له من النزول إلى مجلس النواب كي يتأمن نصاب يسمح بانتخاب رئيس للجمهورية؟

كان إجراء المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية بمثابة تأكيد لفعل المقاومة الذي يمارسه الشعب اللبناني، خصوصا أهل بيروت. هؤلاء مقاومون حقيقيون يدافعون فعلا عن بلدهم وقد أثبتوا مرّة أخرى أن عبارة “وحياتك بتمون” التي كانوا يقولونها لرفيق الحريري لا تزال تخرج من القلب عندما يدعوهم سعد الحريري إلى النزول إلى أقلام الاقتراع والتصويت لـ“لائحة البيارتة”.

لعلّ أهمّ ما في هذه اللائحة محافظتها على جانب كبير من إرث رفيق الحريري، أي جانب المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. المؤسف أن هذه الناحية فاتت عددا كبيرا من المسيحيين الذين لم يقبلوا على صناديق الاقتراع لأسباب لا تزال غامضة، قد تعود إلى عدم استيعاب ما تعنيه هذه المعادلة في هذه المرحلة المصيرية التي يمر بها البلد والمنطقة.

الآن وقد طويت صفحة الانتخابات البلدية في بيروت، وظهرت موازين القوى في المدينة على حقيقتها، لا مفرّ من مجموعة من الملاحظات التي يمكن أن تساعد في إيجاد الظروف الملائمة التي يمكن الانطلاق منها لتحسين الوضع في بيروت.

في مقدّمة هذه الملاحظات من المفترض ألا يغيب عن اللبنانيين عموما، وأهل بيروت على وجه التحديد، أن العائق الأوّل أمام تقدّم لبنان هو سلاح “حزب الله” غير الشرعي. هذا السلاح يهدّد كل مؤسسات الدولة ويحول دون أن يكون لبنان دولة طبيعية في ظل مساواة بين المواطنين بغض النظر عن الطائفة والمذهب والمنطقة.

كلّ من يفصل بين السلاح الميليشياوي ومستقبل بيروت ولبنان، إنما يعيش في عالم آخر لا علاقة له بالواقع من قريب أو بعيـد، خصوصا أن ذكـرى غـزوة بـيروت التي استهدفت أهل العاصمة في السابع من أيّار ـ مايو 2008، ما زالت ذكرى طرية عالقة في الأذهان. كان الهدف تأديب الدولة اللبنانية، وتكريس واقـع يتمثّل في أنّ هذه الدولة تابعة لدويلة “حزب الله” الذي ليس سوى ذراع إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.

هذا لا يمنع من الاعتراف بأنّ تشكيل لائحة “بيروت مدينتي”، التي واجـهت “لائحـة البيارتة” وحصلت على عدد محترم من الأصوات، كان ظاهرة صحّية إلى حدّ كبير. هناك شباب لبناني يؤمن بالمثاليات ويعتقد أنّـه يستطيع صنع فارق. هذا الشـباب على حق في ما يخـص تطوير بيروت، ومعالجة مشاكل المواطنين، على الرغم من أنّه لم يأخذ في الاعتبار أن المشكلة الكبرى في المدينة وخارج المدينة هي سلاح “حزب الله” والميليشيا المذهبية التي يمثّلها هذا الحزب.

لا يمكن فصل أي مشروع إصلاحي عن الخطر الذي يشكله هذا الحزب الذي لا يعترف بالحدود اللبنانية ولا بلبنان كدولة مستقلّة ذات نظام ديمقراطي وتاريخ عريق في ممارسة اللعبة الانتخابية التي تعني، أوّل ما تعني، التداول السلمي على السلطة.

يمكن الاستفادة من الظاهرة الصحّية التي شكّلتها “بيروت مدينتي” التي ضمّت أشخاصا صادقين ومحترمين لا يحتاجون إلى شهادة أحد، مثل أحمد قعبور، لتحسين أداء المجلس البلدي الجديد. هناك شكوى من المجلس السابق. هذه الشكوى أكثر من محقّة، خصوصا بعدما برزت أزمة النفايات التي كان يجب التحسب لها باكرا.

تشكيل لائحة "بيروت مدينتي"، التي واجـهت "لائحـة البيارتة" وحصلت على عدد محترم من الأصوات، كان ظاهرة صحية إلى حد كبير

كلّ ما يمكن قوله الآن أن بيروت مدينة تتراجع فيها الخدمات يوميا. هناك فوضى سير ليس بعدها فوضى. هناك تقاعس على كل صعيد. هناك من يرفض إعادة الاعتبار للرصيف الذي يشكّل مظهرا حضاريا في المدينة. لا احترام حتّى لإشارات المرور. هناك وقوف للسيارات في الأماكن الممنوعة، حتّى على صفين، في معظم الشوارع. المؤسف أن هذه الظاهرة تمددت أخيرا لتشمل وسط المدينة، وكأنّ هناك سلطة فوق سلطة شرطي السير تمنعه من أداء واجبه!

بعيدا عن القضايا الكبيرة من نوع جريمة منع العرب والأجانب من المجيء إلى لبنان، يحتاج المواطن إلى من يعالج القضايا الصغيرة المرتبطة بحياته اليومية التي تجاهلها المجلس البلدي السابق لأسباب ما زالت مجهولة. ربما من بين هذه الأسباب الغياب الطويل لسعد الحريري عن بيروت، وهو غياب فرضته ظروف معيّنة ذات طابع أمني.

معظم الذين صوّتوا لـ“بيروت مدينتي” كانوا يمتلكون حسّا وطنيا مرهفا، كما كانوا يمتلكون كلّ النيّات الحسنة. صحيح أنّه كانت تنقصهم التجربة السياسية، وهذا النقص عائد إلى العجز عن استيعاب خطورة ما يمثله “حزب الله” وسلاحه وممارساته الهادفة إلى تغيير طبيعة المجتمع اللبناني وطبيعة النظام في البلد، لكن الصحيح أيضا أن عدد الأصوات التي نالتها اللائحة هو بمثابة جرس إنذار.

هذا يعني بطبيعة الحال أنّه لا بدّ من أخذ ما طرحته “بيروت مدينتي” على محمل الجدّ لا أكثر ولا أقل.

بكلام أوضح، ثمّة حاجة إلى انقلاب على ممارسات المجلس السابق يظهر أن الوعي السياسي الذي جعل “لائحة البيارتة” تنتصر سينسحب على الإنماء أيضا. هناك تحدّ اسمه الرصيف. بدأ انهيار مدينة اسمها القاهرة بإلغاء الرصيف فيها. هل تستفيد بيروت من هذا الدرس الذي مصدره مدينة عريقة اسمها القاهرة؟

بعض التبسيط يبدو ضروريا أحيانا لدى التعاطي مع مشاكل معقّدة من النوع الذي تعاني منه بيروت.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا بقيت بيروت وفية لماذا بقيت بيروت وفية



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon