سايكس ـ بيكو… كم سيترحم عليه العرب

سايكس ـ بيكو… كم سيترحم عليه العرب

سايكس ـ بيكو… كم سيترحم عليه العرب

 لبنان اليوم -

سايكس ـ بيكو… كم سيترحم عليه العرب

بقلم :خير الله خير الله

في السادس عشر من أيار ـ مايو 2016، مرّ قرن كامل على اتفاق سايكس – بيكو الذي رسم، سرّا، خريطة الشرق الأوسط مع بدء انهيار الدولة العثمانية وتحوّلها إلى “الرجل المريض” في المنطقة.

كان هذا الاتفاق مجرد بداية لإعادة رسم خريطة المنطقة بعد إصرار روسيا على وضع يدها على القسطنطينية (اسطنبول). أجبر الإصرار الروسي على ضم اسطنبول بريطانيا وفرنسا على القبول بتقسيم أراضي الدولة العثمانية بدل المحافظة عليها، علما أنه كانت لديهما مصلحة في ذلك. هذا، على الأقل، ما يؤكده مؤرخو تلك المرحلة ويشيرون إلى أن سايكس ـ بيكو لم يكن سوى بداية وأن هناك مؤتمرات، من أهمها مؤتمر سان ريمو، انعقدت بعد الحرب العالمية الأولى وضعت فيها الأسس للشرق الأوسط الجديد.

صار سايكس – بيكو اتفاقا بريطانيا – فرنسيا، علما أنّه كان في البداية بريطانيا – فرنسيا – روسيا، لكنّ الجانب الروسي لم يعد جزءا من الاتفاق بعد اندلاع الثورة البلشفية في العـام 1917 وانتقـال أهـل الثورة، على رأسهم لينين، إلى الاهتمام بالشأن الداخلي الروسي وتثبيت السلطة الجديدة التي أقامت “دكتاتورية البروليتاريا”.

هناك في العالم العربي من لعن دائما سايكس ـ بيكو واعتبره في أساس المصائب والهزائم على كلّ المستويات.

لم يكن سايكس ـ بيكو في أساس المصائب والهزائم بمقدار ما أنّه كان شمّاعة، علّق عليها عرب كثيرون مشاكلهم وعجزهم، وذلك لتبرير تقصيرهم وتخلّفهم في آن. كانت المصيبة في قسم من العرب لم يقدروا قيمة سايكس ـ بيكو، بل استخدموه في عملية هرب مستمرّة إلى الأمام…

تبدو المنطقة الآن في حاجة إلى سايكس – بيكو جديـد، خصوصا بعدمـا تبيّن أن العـراق الـذي عرفناه انتهى، وأن سـوريا التي اعتدنا عليها صارت جزءا من الماضي، اللّهم إلا إذا حصلت أعجوبة تنتزعها من براثن إيران وروسيا و”داعش” وتعيدها إلى أهلها.

ما جعل سايكس ـ بيكو يفشل، علما أنّه كان في الإمكان تحويله إلى قصة نجاح، الابتعاد العربي عن كلّ ما هو منطقي وواقعي، بدءا بالعجز عن استيعاب أن المطلوب منذ البداية الحدّ من أضرار المشروع الصهيوني وليس عمل كلّ شيء من أجل خدمته.

نسي معظم العرب أن وعد بلفور الذي “ينظر بعين العطف إلى إقامة وطن لليهود في فلسطين” كان في العام 1917، أي أنّه مرتبط إلى حد كبير باتفاق سايكس – بيكو الذي توصلت إليه بريطانيا وفرنسا في السنة 1916.

لم يستطع العرب، عموما، فهم معنى التعاطي مع موازين القوى ببرودة وبشكل علمي. كلّ من تعاطى مع موازين القوى بعقل مستنير ذهب ضحية العنف والإرهاب. هناك مثلان مهمان على ذلك.

اغتيل الملك عبدالله الأول (الأردني) في القدس، واغتيل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في عمان، على يد عناصر من حزب فاشي، مكون من مجموعة أقلّيات، كان ولا يزال يعمل في خدمة كلّ ما من شأنه إنجاح عملـية التدمير المستمـرّة للمجتمعات العربية.

كان ذنب عبدالله الأوّل ورياض الصلح أنهما حاولا إدخال بعض العقلانية إلى الرؤوس العربية الحامية والمريضة في الوقت ذاته.

اعتقد معظم العرب أن الشعارات كافية لإيصالهم إلى ما يطمحون إلى تحقيقه. لم يفرّقوا يوما بين الحقيقة والخيال. لذلك لم يتعاطوا مع سايكس – بيكو كحقيقة وواقع بعدما وجد بينهم من يطعن “الثورة العربية الكبرى” التي قادها الشريف حسين من الخلف في السنة 1916.

من قرار التقسيم في 1947 الذي رفضه العرب… إلى الانقلاب العسكري في سوريا عام 1949، إلى الانقلاب العسكري في مصر في 1952، إلى حرب السويس في 1956، التي كانت كـارثة مصرية بكلّ معنى الكلمة، وصولا إلى التخلص من النظام الملكي في العراق صيف 1958، مرورا بالوحدة المصرية – السورية التي أسست لنظام الأجهزة الأمنية في سوريا و“الاشتراكية” التي تفقر المواطن، استمرّ مسلسل المآسي. توج هذا المسلسل باستيلاء البعث، بكل تخلفه، على السلطة في سوريا والعراق وتكريس اجتياح الريف للمدينة والقضاء على كلّ ما هو حضاري فيها.

لم يكن هناك عقل عربي يمنع كارثة حرب 1967، التي لا تزال المنطقة تعاني من نتائجها إلى يومنا هذا. لم يكن هناك عقل عربي يمنع سقوط لبنان ويتحسب لمعنى هذا السقوط ولنتائجه في المدى الطويل. عندما شجّع العرب، على رأسهم النظام الأقلوي في سوريا، على إغراق لبنان بالمسلحين الفلسطينيين والسلاح المرسل إلى الميليشيات الطائفية ثم المذهبية، كانوا يزرعون بذور المآسي التي نعاني منها اليوم، على رأسها المأساة السورية. لم يعد مستبعدا أن تأتي السنة 2016 بالخطوط العريضة لسايكس – بيكو جديد بمشاركة روسية علنية هذه المرة، في حين سيحلّ الأميركي والإسرائيلي، وربما الإيراني أيضا، مكان البريطاني والفرنسي، أي مكان السيّدين ماركس سايكس وفرنسوا جورج ـ بيكو.

لم يمتلك لبنان ما يكفي من المناعة الداخلية لمواجهة العقل التخريبي للأنظمة العربية التي تآمرت من أجل حصر الصراع مع إسرائيل بأرضه وبأهل الجنوب المظلومين تحديدا. شاء هذا العقل العربي التخريبي المتخلف معاقبة لبنان على اتخاذه قرارا صائبا وحكيما يقضي بعدم مشاركته في حرب 1967 بغية المحافظة على أرضه. فُرض على لبنان اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 عقابا له على اعتماده الحكمة والتروي.

لا يزال البلد يعاني من نتائج هذا الاتفاق، خصوصا بعدما حلّت ميليشيا “حزب الله” مكان الميليشيات الفلسطينية، وذلك من أجل تكريس لبنان “ساحة” استخدمها النظام السوري طويلا وتستخدمها إيران اليوم بالشكل الذي يخدم مصالحها التي لا تبدو بعيدة بأي شكل عن المصالح الإسرائيلية.

كان سايكس ـ بيكو نعمة، لم يستطع أي نظـام عربي المحافظـة عليها والتكيف معها والعمل على تطـويرها بمـا يخـدم أهل المنطقة ومستقبل أبنائهم. على العكس من ذلك، استخـدم سايكس ـ بيكـو عـذرا ليقمع كل نظام شعبه باسم فلسطين أحيـانا، وباسـم الوحدة العربية ومـواجهـة الاستعمـار والامبريالية العالمية في أحيان أخرى.

لم يكن العرب من أهل المشرق، يستحقون سايكس – بيكو. هل سيستحقون ما سيخلف سايكس – بيكو في ظلّ “داعش” والمشروع التوسّعي الإيراني الذي ألغى الحدود المعترف بها بين الدول العربية لمصلحة الرابط المذهبي؟

هل ستكون المشاركة الروسية في سايكس – بيكو الجديد، بإصرار أميركي، مساهمة إيجابية في رسم خارطة جديدة أكثر استقرارا للشرق الأوسط؟

الأكيد أن الجواب هو لا وألف لا، خصوصا أن روسيا – فلاديمير بوتين دولة مريضة من كل النواحي، فيما المشروع التوسعي الإيراني لا يمكن أن يكون له أي مستقبل لسبب في غايـة البسـاطـة. يعـود هذا السبب إلى أن ليس لدى إيـران الحالية أيّ نمـوذج سياسـي أو اقتصـادي أو حضاري تقدّمه باستثناء استثارة الغرائز المذهبية والبناء على ما يتبع ذلك. إنّه مشروع قائم على التدمير من أجل التدمير ليس إلا.

كم سيترحّم العرب على سايكس – بيكو في ذكرى مرور مئة عام عليه. كان هدية من السماء لم يتمكّنوا من المحافظة عليها، لا لشيء سوى لأنّهم لم يدركوا منذ البداية معنى أن تكون لديهم دول وأنظمة سياسية قـادرة على تطوير نفسهـا بنفسها بدل اللجوء إلى الأنظمة العسكرية والأجهزة الأمنية التي ولدت من رحمها الميليشيات المذهبية، من “داعش”، التنظيم السنّي اسما، إلى “الدواعش” الشيعية بتسمياتها المختلفة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سايكس ـ بيكو… كم سيترحم عليه العرب سايكس ـ بيكو… كم سيترحم عليه العرب



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon