خيرالله خيرالله
أثارتالادارة الاميركية، على نحو مفاجئ، ضجة كبيرة بعد اكتشافها أن الحكومة العراقية عقدت صفقة سلاح مع ايران. لم تمض أيام على تلك الضجة الاّ وهدأت الامور وكأنّ شيئا لم يكن. هل من صفقة، نفت أوساط عراقية رسمية حصولها، فيما أكّدتها أوساط أخرى؟
المسألة في النهاية ليست مسألة سلاح ايراني يشتريه العراق في سياق المواجهات الدائرة في محافظة الأنبار القريبة من الحدود السورية والتي أكثرية سكانها من السنّة. المسألة تتجاوز السلاح الايراني و"الحرب على الارهاب" التي تقول حكومة نوري المالكي أنّها تخوضها في مناطق عراقية محدّدة. المسألة مسألة الحضور الايراني في العراق لا أكثر. انه حضور قائم على كلّ المستويات يعكس الى حدّ كبير الخلل في التوازن القائم على الصعيد الاقليمي، وليس على صعيد العراق وحده.
هذا الخلل نجم اصلا عن الاحتلال الاميركي للعراق في العام 2003 ومشاركة ايران بشكل مباشر وغير مباشر في العملية العسكرية الاميركية وصولا الى الوضع الراهن الذي كان الفصل الاخير فيه صفقة السلاح العراقية- الايرانية.
باختصار شديد، تكمن المفاجأة في أن تتفاجأ الادارة الاميركية بالعلاقة بين طهران وبغداد. انها علاقة بين سيّد وغير سيّد، حتى لا نقول شيئا آخر. فحصول بغداد على اسلحة ايرانية وأن تسدّد ثمنها نقدا تطوران يندرجان في السياق الطبيعي للامور.
من هذا المنطلق، كان مستغرباأن تصدر الادارة الاميركية التصريح تلو الآخر عن صفقة الاسلحة العراقية- الايرانية التي ليست سوى نقطة في بحر العلاقة غير المتوازنة القائمة بين البلدين الجارين. فمثل هذه التصريحات لا تعبّر الاّ عن استغباء أميركي للعراقيين، من شيعة وسنّة، أي للطامحين الى استعادة بلدهم استقلاله بعيدا عن أي هيمنة خارجية ايرانية أو غير ايرانية.
أكثر من ذلك، ما فعلته الادارة الاميركية يكشف أنّ لا أمل في الرهان عليها في أي موضوع كان وأنّ الاجندة التي وضعتها لنفسها ذات نكهة خاصة تصبّ في خدمة رئيس لا همّ له سوى تفادي أيّ حرب جديدة.
هذه ادارة لا تريد أن تتعلّم من اخطاء الماضي القريب. انها تبدو بكلّ بساطة مصرّة على رفض أخذ العلم بأنّ المنتصر الوحيد في الحرب التي شنّتها على العراق من أجل اسقاط النظام العائلي- البعثي، كان ايران. ليس سرّا أن النظام العراقي كان يجب أن يسقط بعد كلّ ما ارتكبه في حقّ العراقيين أوّلا. ولكن هل كان ضروريا أن تعمل الولايات المتحدة على تسهيل مهمة وضع اليد الايرانية على العراق من منطلق طائفي ومذهبي بحت؟
في مثل هذه الايام، قبل أحد عشر عاما، عندما بدأت الحرب الاميركية التي توجّت بدخول بغداد في التاسع من نيسان- ابريل، عملت ايران على تأكيد أنها صارت تمتلك العراق. من المضحك- المبكي توقف الادارة الاميركية عند صفقة اسلحة من هنا أو أخرى من هناك.
يفترض بهذه الادارة أن تسأل نفسها لماذا يكرّر باراك أوباما، ولكن على طريقته،أخطاء جورج بوش الابن في العراق؟
حسنا، اراد أوباما الانسحاب من العراق عسكريا بغض النظر عن النتائج التي ستترتّب على ذلك. هل هناك من يجهل أن الاميركيين خسروا العراق منذ اليوم الاوّل لحملتهم العسكرية عندما اعتقدوا أنّهم سيجعلون من هذا البلد نموذجا لـ"الشرق الاوسط الجديد"؟
هل من طفل في المنطقة العربية لا يعرف أن احتلال العراق، ثمّ حل الجيش العراقي، ثمّ انشاء مجلس الحكم المحلي على أساس مذهبي بحت يركّز على تهميش السنّة العرب، سيصبّ في مصلحة ايران وميليشيات الاحزاب المذهبيةالتابعة لها؟
ليس ما يدعو الادارة الاميركية الى أن تتفاجأ بصفقة الاسلحة العراقية- الايرانية، خصوصا أنها لم تتفاجأ قبل ذلك بأنّ نوري المالكي لم يستطع الوصول الى موقع رئيس الوزراء بعد انتخابات السابع من آذار- مارس 2010 الّا بضوء أخضر من طهران.
هل تفاجأت الادارة الاميركية باستدارة نوري المالكي استدارة كاملة حيال الثورة السورية، فتحوّل بقدرة القادر الايراني من مطالب بمحاكمة بشّار الاسد أمام محكمة دولية بتهمة ارسال ارهابيين الى العراق، الى داعم له ؟
هل تفاجأت بأن عراقيين باتوا يقاتلون الى جانب بشّار الاسد في الحرب التي يشنّها على شعبه بمجرّد ان ايران تريد ذلك؟ هل تفاجأت بأنّ العراق صار ممرّا للاسلحة الايرانية المرسلة الى النظام السوري؟
كلّ ما في الأمر أنّ باراك أوباما لا يريد حروبا جديدة. يريد أن يكون مختلفا عن جورج بوش الابن. لا يريد حتى الاعتراف بأنّ مصلحة الادارة الاميركية تكمن في متابعة النظام السوري عملية ذبح شعبه من جهة وتدمير سوريا "زنقة زنقة" (بالاذن من معمّر القذّافي) وقرية قرية وبلدة بلدة ومدينة مدينة...خدمة للمشروع الاسرائيلي في المنطقة.
لا تنطلي السياسة الاميركية على أحد. من ابتلع البحر، لنيغصّ بالساقية. ليست صفقة السلاح العراقية- الايرانية سوى أقلّ من ساقية. انّها لا شيء مقارنة بما ابتلعه الاميركيون في العراق. يفترض بمن يخوض حربا مثل تلك التي خاضوها، أو على الأصحّ التي شنّوها على العراق، تحمّل النتائج المترتبة على ذلك. النتيجة الاولى تحوّل بغداد مدينة ايرانية وتفضيل الاكراد الحكم الذاتي مع الاستعداد للذهاب الى ابعد من ذلك في حال توافر الظروف المناسبة. هذا حقّ من حقوقهم، متى نظرنا الى الى المظالم التي تعرّضوا لها تاريخيا.
في النهاية، لا يحقّ للاميركيين أن يتفاجأوا بشيء يحدث في العراق. انهم يحصدون ما زرعوه. خاضوا الحرب بمشاركة ايران. انسحبوا وبقيت ايران. هذا ليس سرّا عسكريا. هذا واقع لا بدّ من أن تتعاطى معه ادارة لا تعرف عن الشرق الاوسط أكثر بكثير مما كان يعرفه جورج بوش الابن...