أهمّ من إعلان الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله تبني ترشيح سليمان فرنجية ليكون رئيسا للجمهورية اللبنانيّة، إصرار الحزب على تحديد من الشخص الذي يُفترض أن يكون في هذا الموقع. لا يشغل الحزب موقعا في الدولة اللبنانيّة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويتخلّى عنه لاحقا. مارس منذ اغتيال رفيق الحريري في فبراير 2005 عملية قضم للدولة اللبنانيّة ومؤسساتها. هذه العمليّة مستمرّة إلى اليوم.
على الحزب التقدّم باستمرار في مسيرة السيطرة الكاملة على ما بقي من مؤسسات الدولة. لا مكان للتراجع، نظرا إلى أنّ أي خطوة إلى خلف تشير إلى ضعف ما لدى ميليشيا مذهبيّة ليست في واقع الحال سوى لواء، عناصره لبنانيّة، في «الحرس الثوري» الإيراني. ظهور مثل هذا الضعف غير مسموح به. مثل هذا الموقف المتصلّب في صلب العقيدة المهيمنة على تفكير كبار المسؤولين في «الجمهوريّة الإسلاميّة» الذين يمتلكون مشروعا توسّعيا يرفض أي أخذ في الإعتبار لسيادة الدول الأخرى التي بينها لبنان والعراق وسوريا واليمن.
يسعى الاحتلال الإيراني، منذ خلافته الوصاية السوريّة، إلى تكريس واقع معيّن في لبنان يشمل بين ما يشمل أن يكون وزير المال شيعيا، على سبيل المثال وليس الحصر،... وأن تكون هذه السفارة أو تلك من حصّة الشيعة، علما أن ليس في الدستور والعرف ما يفرض ذلك. الأهمّ من ذلك كلّه أن الحزب يسيطر على كل الحصة الشيعية في مجلس النواب (27 نائبا). من هذا المنطلق، لا يمكن لرئيس مجلس النواب أن يكون خارج الهيمنة الإيرانيّة. كذلك، لا مجال لتشكيل حكومة لبنانية من دون ضوء اخضر من طهران.
لا يتعلّق الأمر بشخص سليمان فرنجيّة بمقدار ما يعني إصرارا لدى الحزب على حسم موضوع من يكون رئيسا للجمهورية. إذا قبلت القوى السياسيّة بخيار الحزب، يكون ذلك أمرا مرحبا به. إذا لم تقبل بمرشّح الحزب، فإنّ ذلك أكثر من مرحب به أيضا. في النهاية، رهان إيران على لذيذين في لبنان. لذيذ انتخاب مرشحها رئيسا للجمهورية... ولذيذ آخر يتمثل في استمرار الفراغ في انتظار اليوم الذي يصبح فيه سليمان فرنجيّة رئيسا للجمهورية.
توجد تجربة سابقة تبرّر رهان «الجمهوريّة الإسلاميّة» على خيار اللذيذين. إنّها تجربة ميشال عون الذي وقع عليه خيار الحزب ليكون رئيسا للجمهوريّة بعد اختبارات أُخضع لها استمرت عشر سنوات كاملة. أثبت ميشال عون، مع صهره جبران باسيل، في السنوات العشر التي فصلت بين توقيع وثيقة ما مخايل في السادس من فبراير 2006 وجلسة انتخابه رئيسا للجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل 2016 أنّه شخص يمكن الإعتماد عليه كلّيا. يمكن الإعتماد عليه في كلّ ما له علاقة بتغطية إرتكابات «حزب الله» وسلاحه الموجّه إلى صدور اللبنانيين. ذهب ميشال عون، بين ما ذهب إليه، إلى تبرير قتل الحزب للضابط الطيّار سامر حنا الذي حطّ في منطقة جنوبية (سجد) يعتبرها الحزب تابعة له. تساءل القائد السابق للجيش اللبناني ما الذي يفعله ضابط طيار لبناني في سجد، علما أنّ كلّ ما فعله أنّه هبط بطائرته (هليكوبتر) في ارض لبنانية!!
ذهب أيضا إلى التمهيد لإغتيال اللواء وسام الحسن بعدما اتهمه بالإقتراب من خطوط «التوتر العالي» وحذره من ذلك!!
يمكن إيراد عشرات الأمثلة على الإختبارات التي مرّر الحزب ميشال عون وصهره فيها قبل ترشيح الأوّل لرئاسة الجمهوريّة واغلاق أبواب مجلس النواب سنتين وخمسة اشهر لمنع وصول أي مرشح آخر إلى قصر بعبدا. كانت تلك سابقة لا يستطيع «حزب الله» سوى تثبيتها بدل التنازل عنها. الهدف التأكيد لكلّ من يعنيه الأمر البلد صار في عهدته... من رئيس الجمهوريّة ونزولا. ليس لبنان سوى ورقة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة». تحتاج إلى هذه الورقة أكثر من أي وقت في أيّامنا هذه. أي تنازل في لبنان سيجر إلى تنازلات أخرى تؤذي الأحتلال الإيراني وتسيء إلى هيبته.
اصبح «حزب الله» من القوة، في الداخل اللبناني، بما يسمح له بالرهان على اللذيذين، خصوصا بعدما اثبت للإدارة الأميركيّة ولإسرائيل أنّه صاحب القرار في لبنان. لولاه لما حصل ترسيم للحدود البحرية مع إسرائيل ولما كانت إسرائيل لتباشر في تصدير النفط والغاز من حقل كاريش.
هل كثير على الحزب، ومن خلفه ايران، الحصول على جائزة ترضية، أي على رئيس الجمهورية في لبنان؟
ليست رئاسة الجمهوريّة اكثر من جائزة ترضية في وقت ما زالت «الجمهوريّة الإسلاميّة» تسعى إلى صفقة مع «الشيطان الأكبر». يؤكد ذلك وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان الذي صرّح أخيرا بأن بلده «لم يترك طاولة المفاوضات» في شأن البرنامج النووي.
إضافة إلى الرهان على اللذيذين، أي على خيار سليمان فرنجيّة وخيار الفراغ في الوقت نفسه، يبدو طبيعيا التساؤل هل عامل الوقت في خدمة «حزب الله»؟
لا يبدو ذلك أكيدا في ضوء عاملين. العامل الأوّل هو الوضع الداخلي الإيراني حيث ثورة شعبيّة على نار هادئة تكشف مدى رفض الشعوب الإيرانية للنظام القائم. أما العامل الثاني فيتمثل في التورط الإيراني المباشر في الحرب الروسيّة على أوكرانيا وشعبها. جعل هذا التورط أوروبا، خصوصا المانيا، تعي خطورة النظام الإيراني على القارة العجوز.
في المقابل، ما يبدو أكيدا أنّ عامل الوقت لا يخدم لبنان الذي بات مصيره مطروحا في غياب القدرة على انتخاب رئيس من نوع مختلف ينتمي إلى فصيل مختلف كلّيا عن فصيل الرؤساء الذين يسعى الذين يسعى «حزب الله» إلى أن يكونوا في قصر بعبدا.