ثمة كلام لا يحب النظام السوري سماعه، بل يرفض سماعه، وثمّة أسئلة لا يستطيع الإجابة عنها.
يمارس النظام، الذي على رأسه بشّار الأسد لعبة الهروب إلى أمام، كما لو أنّ العالم يجهل ما يدور على الأرض السورية ولم يأخذ علماً بوجود خمسة احتلالات لهذه الأرض.
يعتبر النظام أنّه انتصر ولم تعد من حاجة إلى سماع أي كلام من أيّ نوع عن تغييرات مطلوبة بغية المحافظة بالفعل على وحدة الأراضي السوريّة... هذا إذا كان ذلك لا يزال ممكناً.
كذلك لا يجد النظام حاجة تدعو إلى الإجابة عن أسئلة ذات طابع مصيري، اسئلة حقيقية مرتبطة بالواقع القائم وظروف وجود بشّار في دمشق بدل ان يكون امام محكمة دوليّة.
يصعب وصف الزيارة التي قام بها فيصل المقداد وزير الخارجية في النظام السوري للقاهرة قبل ايّام، بأنّها كانت موفقة.
بدا ذلك من لغة الجسد التي كشفت امتعاض المقداد من الكلام الصادر عن وزير الخارجيّة المصري سامح شكري مباشرة بعد جولة المحادثات بينهما.
أكثر من ذلك، اختصر المقداد زيارته للقاهرة التي لم تستمر سوى ساعات قليلة بعدما توهّم أن العالم كلّه، بما في ذلك العالم العربي، سيقف على خاطر النظام السوري وسيوافق من دون أي شروط على عودته إلى جامعة الدول العربيّة تمهيداً للمشاركة في قمة الرياض المتوقعة الشهر المقبل.
ما الذي يرفض النظام السوري سماعه؟ يرفض سماع أن الحل الوحيد للأزمة السورية تطبيق القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن، وهو قرار صدر في 18 ديسمبر من العام 2015.
وافق الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن على القرار الذي يدعو، بين ما يدعو إليه إلى فترة انتقالية في سورية (18 شهراً) تليها انتخابات عامة «حرّة» باشراف الأمم المتحدة.
عملياً، مطلوب من النظام السوري التفاوض مع المعارضة تمهيداً لتسوية «سياسيّة».
مثل هذا التطور لا يروق للنظام السوري الذي يعتبر أنّه انتصر على الشعب السوري واخضعه نهائياً لإرادته بفضل الدعم الإيراني ثمّ الروسي لاحقاً.
بكلام أوضح، لدى النظام السوري حساسية، ليس بعدها حساسيّة، لمجرد الإتيان على ذكر القرار 2254 الذي صدر في ظروف دولية حالت دون استخدام روسيا حقّ «الفيتو» كونها كانت في حال وفاق مع الإدارة الأميركيّة برئاسة باراك أوباما.
في النهاية، لا يستطيع النظام السوري السماع بفكرة وجود رفض شعبي له.
لم يعد هذا الرفض يشمل الأكثريّة السنّية فحسب، بل يشمل علويين أيضاً. هؤلاء يعرفون أنّ الطائفة لا يمكن ان تستمر إلى ما لا نهاية في تقديم التضحيات من أجل بقاء بشّار الأسد في دمشق.
توجد أمور أخرى يرددها غير مسؤول عربي عن ضرورة التفاوض مع المعارضة وعن عودة اللاجئين الى الاماكن التي اخرجهم النظام منها وعن اهمية التفاعل مع اللجان الدستورية، التي تشكلت باشراف مبعوثي الأمم المتحدة، بغض النظر عن رأي الروس فيها.
إضافة إلى ذلك، مطلوب التزام مسيرة «الخطوة خطوة» التي وضعها غير بيدرسون الذي لا يزال في موقع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في سورية.
ثمة جهات عربيّة، بينها الأردن تدعو أيضاً إلى الأخذ والردّ مع بشّار الأسد في حال ردّ على أي خطوة إيجابية تجاهه بخطوة مقابلة من جانبه.
كان لافتاً صدور بيانين منفصلين احدهما عن الخارجية المصريّة وآخر عن الجانب السوري في اعقاب زيارة فيصل المقداد للقاهرة.
إن دلّ ذلك على شيء، فهو يدل على رغبة لدى النظام السوري في العودة إلى ما قبل اندلاع الثورة السورية قبل مارس 2011.
بالنسبة إلى النظام، لم يحدث شيء في سورية. لا يعني سقوط نصف مليون قتيل شيئاً بالنسبة إليه، ولا تهجير ما يزيد على عشرة ملايين سوري من بيوتهم.
لذلك، لا أجوبة لدى النظام عن أسئلة من نوع ماذا يستطيع بشار الاسد تقديمه في مقابل عودته إلى الحضن العربي؟
هل يستطيع وقف تهريب «الكبتاغون» إلى دول الخليج العربي عبر الأردن وغير الأردن؟
ثم هل قرار تهريب «الكبتاغون» في يده أم في يد ايران التي تبدو مستعدة لقبض ثمن وقف تهريب المخدرات والأسلحة إلى الخليج؟
ثمة سؤال آخر في غاية الأهمّية لا مفرّ من التوقف عنده: هل سيوقف تمدد المشروع الايراني (الشيعي) في سورية؟
لنفترض أنّ بشار يريد وقف تمدد المشروع الإيراني، تبقى حقيقة لا يمكن تجاوزها.
يجسد هذه الحقيقة حجم الاستثمار الإيراني في المحافظة على النظام السوري، وهو استثمار جرى توظيفه في مجالات عدة.
بين هذه المجالات تغيير طبيعة سورية ديموغرافياً من جهة والحصول على حصص في قطاعات سورية مهمّة من جهة أخرى.
من بين هذه القطاعات، الاتصالات على سبيل المثال وليس الحصر.
ليست «الجمهوريّة الإسلاميّة» جمعية خيريّة تصرف مليارات الدولارات في سورية من اجل ان تخرج منها يوماً... بمجرد ان يطلب منها بشّار الأسد ذلك.
أي سورية ستعود إلى جامعة الدول العربيّة... إذا عادت؟
لم تعد المسألة مسألة رفض النظام السوري سماع أي كلام عن القرار 2254 الذي يعني نهاية عهد الحكم الأقلوي في سورية وعودة المهجرين إلى بيوتهم فحسب، بل المسألة مرتبطة ايضاً بما آل إليه النظام السوري الذي لا يمتلك أيّ هامش للمناورة، خصوصاً في ضوء تقلص النفوذ الروسي في الأراضي السوريّة...