قصة نجاح الأردن… وصمود لبنان

قصة نجاح الأردن… وصمود لبنان

قصة نجاح الأردن… وصمود لبنان

 لبنان اليوم -

قصة نجاح الأردن… وصمود لبنان

بقلم :خير الله خير الله

بعد مرور قرن على اتفاق سايكس- بيكو، يمكن الحديث عن استثناءين في منطقة المشرق العربي. هذان الاستثناءان هما الأردن ولبنان. يعاني لبنان من مشاكل ضخمة تهدّد مستقبله. هناك السلاح المذهبي لـ”حزب الله” الذي يشكّل خطرا على مؤسسات الدولة ويسعى إلى تغيير طبيعة المجتمع اللبناني والنظام المعمول به بعد نجاحه في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي. وهناك وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين في أرضه الصغيرة، إضافة بالطبع إلى وجود المخيمات الفلسطينية التي ليست سوى قنابل موقوتة في ظلّ أزمة عميقة باتت تهدد النظام المصرفي الذي هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

على الرغم من ذلك كلّه، لا يزال لبنان صامدا، ولا تزال هناك هويّة وطنية تجمع بين اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، في حين لم تعد هناك هوية وطنية تجمع بين السوريين منذ أطلق حافظ الأسد تسمية “سوريا الأسد” على البلد، كما ربط مصير سوريا بمصيره، ثم بمصير خليفته وعائلته.

يظلّ لبنان قصة النجاح الثانية، بعد الأردن طبعا، وذلك بعد مئة عام على سايكس- بيكو، الذي كان اتفاقا سرّيا توصلت إليه بريطانيا وفرنسا عبر مارك سايكس، وفرنسوا جورج- بيكو في مثل هذه الأيّام من العام 1916، يوم السادس عشر من أيّارـ مايو تحديدا.

تبين بعد مئة عام على الاتفاق البريطاني- الفرنسي الذي استهدف وراثة الدولة العثمانية واقتسام النفوذ في الشرق الأوسط، أن المسؤولية الأولى للفشل، حيث يمكن الحديث عن فشل، تقع على الأنظمة العربية التي قامت بعد رحيل الانتداب والاستعمار، أكان فرنسيا أم بريطانيا. لم تستطع سوريا المحافظة على ما ورثته من إيجابيات من الانتداب الفرنسي. انتقلت فورا إلى مرحلة الانقلابات العسكرية، وصولا إلى نظام حزب البعث، ثمّ النظام الأقلّوي (العلوي) الذي حرم المواطن السوري من حدّ أدنى من الكرامة والحرّية.

لو قبل العرب قرار التقسيم في العام 1947، لما كانت إسرائيل تسعى حاليا إلى التفاوض على الضفّة الغربية المحتلة في العام 1967. تفاوض إسرائيل على الضفة بصفة كونها “أرضا متنازعا عليها” وذلك منذ اليوم الذي اعتبرت فيه القمة العربية التي انعقدت في الرباط في العام 1974، منظمة التحرير الفلسطينية “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”، من دون إدراك للنتائج الكارثية التي ستترتب على ذلك. كان المحرّك الأوّل لهذا التوجّه غبيّا وقصير النظر هو الرئيس الجزائري، وقتذاك، هواري بومدين. كان بومدين، الذي هو في أساس النكبة التي حلّت بالجزائر، يكنّ عداء شديدا للملك حسين رحمه الله. كان محتارا في كيفية الانتقام من ذلك العربي الأصيل الذي كرّس حياته للدفاع عن فلسطين والأردن، وحمايتهما من الغوغاء.

حرم قرار القمّة العربية، الذي احترمه الأردن، من كلّ ما كان يمكن أن يساعد الجانب العربي، من الناحية القانونية، في استعادة القدس المحتلة والضفّة الغربية، ذلك أن إسرائيل احتلّت الضفّة والقدس عندما كانا تحت السيادة الأردنية في حزيران- يونيو 1967، وليس تحت السيادة الفلسطينية. أكثر من ذلك، أن تطبيق القرار 242، الصادر عن مجلس الأمن في تشرين الثاني- نوفمبر 1967، كان ممكنا مع الأردن أكثر بكثير مما هو ممكن مع منظمة التحرير الفلسطينية، من دون أن يعني ذلك أن الأردن كان يطمح إلى الاحتفاظ بالضفّة، لو استطاع استعادتها استنادا إلى القانون الدولي والشرعية الدولية.

لماذا نجح الأردن حيث فشل الآخرون؟ ما ميز الهاشميين كان، دائما، روح التسامح وعدم التمييز بين مواطن وآخر بسبب دينه أو مذهبه أو قوميته.

في السنة 2016، تكرّست سوريا دولة فاشلة. كذلك الأمر بالنسبة إلى العراق الذي وقع جزء منه تحت الاحتلال الإيراني، فيما الجزء الآخر تحت سلطة “داعش”. يبرر هذا الوضع للأكراد البحث عن مصلحتهم والعمل الجدي من أجل الحصول على دولة مستقلّة بعيدة، كل البعد، عن الصراع المذهبي الدائر في كلّ منطقة عراقية بدءا ببغداد.

استطاع الأردن الذي يواجه تحديات كبيرة، على رأسها التحدي الاقتصادي، بناء دولة مؤسسات. هذا سرّ الأردن أوّلا. هذه المؤسسات سمحت بالانتقال السلمي للسلطة لدى وفاة الملك حسين في العام 1999. هذه المؤسسات مكّنت الأردنيين، بمن في ذلك المواطن الفلسطيني الأصل، من أن يجد مصلحته في الدفاع عن المملكة الهاشمية والمحافظة عليها، خصوصا بعدما تبيّن له أن أحداث العام 1970 صبّت في خدمة القضية الفلسطينية وأحبطت مشروع “الوطن البديل”. هذا المشروع الذي يحقّ للملك عبدالله الثاني القول أنّه لا يريد أن يسمع به بعد الآن، نظرا إلى أنّه صار جزءا من تاريخ منسي تجاوزه الزمن والأحداث.

في كلّ مرحلة من المراحل، تحلّى الأردن بالواقعية. لم يرفع شعارات مزيّفة. حمى الأردنيين من التطرف بخطاب سياسي على علاقة بالعصر يقوم على النظر إلى المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي وعقده. عاب عليه حافظ الأسد في العام 1994 توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل استعاد فيها أرضه وحقوقه في المياه… كما رسم حدود الدولة الفلسطينية بعدما رسم حدوده. أين الأردن الآن، وأين سوريا التي لم يرد النظام فيها يوما استرجاع الجولان المحتلّ؟

ذهب عبدالله الثاني قبل أيّام إلى بلجيكا وقال كلاما دفاعا عن الإسلام وحذّر من الجامعة الكاثوليكية في لوفان من “استغلال المتطرّفين في كلّ أنحاء العالم حرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم”، مضيفا أنّه “تجب علينا معالجة الصراعات ومواطن الضعف التي يستغلّها الخوارج كذريعة في سوريا وليبيا والعراق وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وغير ذلك من المناطق”. لم ينسَ تحذير الأوروبيين، أيضا، من أنّ “منطقة البلقان خط المواجهة في أوروبا ضد التطرّف، وخط دفاعكم الأوّل هو دول البلقان ذات الأغلبية المسلمة مثل البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو. هذه الدول تعمل جاهدة لاستباق مثل هذه التهديدات. هذه الدول، وجيرانها، في حاجة إلى دعم من جميع الأوروبيين. اسمحوا لي أن أقول لكم: اجعلوهم جزءا فاعلا من قارتكم التي تحتضن الجميع، واجعلوا منهم أركانا للتعايش ولقيم الاعتدال الأوروبي”.

عاش الأردن في ظل كلّ أزمات المنطقة وتعايش معها. بعد مئة سنة على سايكس- بيكو، يظل قصة النجاح الوحيدة في المنطقة، لا لشيء، سوى لأنّ الملوك عبدالله الأول والحسين وعبدالله الثاني استطاعوا بناء المؤسسات والإنسان، في وقت كان همّ عبدالناصر والبعثيْن السوري والعراقي التسلط على الإنسان، وعلى ما بقي من مؤسسات للدولة وتجاوز كلّ ما له علاقة بالواقع.

كانت مئة سنة كافية كي تبحث المنطقة عن سايكس- بيكو جديد. الأكيد أن المحافظة على الأردن تحتاج إلى إصلاحات جذرية تساعد في التخلص من الخلل الناجم عن تضخّم القطاع العام الذي يهدد الاقتصاد. لكنّ الأكيد أيضا أن قصة النجاح شبه الوحيدة في المشرق العربي، إلى جانب صمود لبنان، هي قصة نجاح أردنية مبنية على أن الشعب متصالح مع العرش، أوّلا وأخيرا، في إطار دولة تمتلك مؤسسات…

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة نجاح الأردن… وصمود لبنان قصة نجاح الأردن… وصمود لبنان



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon