بين جرابلس وداريا… مرورا ببغداد ودمشق

بين جرابلس وداريا… مرورا ببغداد ودمشق

بين جرابلس وداريا… مرورا ببغداد ودمشق

 لبنان اليوم -

بين جرابلس وداريا… مرورا ببغداد ودمشق

بقلم :خير الله خير الله

لا حاجة إلى بحث طويل عن صلة بين الأحداث التي مسرحها الشرق الأوسط والمناطق القريبة منه. من يبحث عن مثل هذه الصلة، يكتشف أن هناك بالفعل ما يربط بين هذه الأحداث. الرابط عمليات تطهير ذات طابع عرقي أحيانا، ومذهبي في معظم الأحيان، كما يجري في بغداد وبعض المحافظات العراقية القريبة منها… أو في دمشق ومحيطها وحمص والشريط الساحلي السوري.

بقدرة قادر، منعت تركيا توسّع رقعة سيطرة الأكراد في سوريا. صار هناك إقرار روسي – إيراني – أميركي بحقهـا في التـدخل في جرابلس، الواقعـة داخـل الأراضي السورية، والتي كانت تحت سيطرة “داعش”. جاء التدخل العسكري التركي في وقت كان الأكراد على استعداد للاستيلاء عليها.

تحرّكت تركيا عسكريا. قصفت جرابلس ومحيطها بالمدفعية، فجر الرابع والعشرين من الشهر الجاري، قبل أن يتدخل سلاح الجوّ التركي تمهيدا لدخول عناصر من “الجيش الحر” المدينة ذات الأهمّية الإستراتيجية الكبيرة. تعود هذه الأهمّية إلى قرب جرابلس من الحدود السوريةـ التركية، وإلى أنها تقع على الضفّة الغربية لنهر الفرات.

ما لبثت، بعد ذلك، أن تحرّكت دبابات وقوات تركية في اتجاه جرابلس لدعم “الجيش الحر”، الفصيل المعتدل في الثورة السورية، الذي عانى في الفترات الماضية من مشـاكل كثيرة في مقدّمها الامتنـاع عن تزويده بالأسلحة المطلوبة، أقلّه لردع الميليشيات المذهبية التابعة لإيران و”شبيحة” النظام السوري وبراميله المتفجرة التي تستهدف المدنيين… فضلا بالطبع عن سلاح الجو الروسي الذي يركّز في قصفه على المستشفيات والمدارس والتجمعات المدنية.

خلاصة الأمر أنّه بات هناك اعتراف من الروس والأميركيين والإيرانيين بوجود منطقة نفوذ تركية في سوريا. من يحتاج إلى دليل إضافي على ذلك، يستطيع العودة إلى تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أكّد في أثناء زيارته الأخيرة لتركيا أنه ممنوع على الأكراد تجاوز الفرات في اتجاه الأراضي التركية. يدرك بايدن، مثلما يدرك الأكراد، بمن في ذلك “وحدات حماية الشعب”، أن الحماية الأميركية لهذه الميليشيات هي التي مكّنتهم في الثاني عشر من أغسطس من الاستيلاء على منبج التي لا تبعد كثيرا عن جرابلس. وضع نائب الرئيس الأميركي الأكراد في سوريا أمام أمر واقع. وضعهم عمليا في قاعة الانتظار. تبدو رسالته إليهم واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أن لا مجال لتحركات سريعة على الأرض تفضي إلى قيام كيان كردي مستقل في سوريا يمكن أن يرتبط لاحقا بكيان آخر لأكراد تركيا…

ليس سرّا أنّ “وحدات حماية الشعب”، هي ميليشيات تابعة لحزب كردي في سوريا تابع بدوره لـ”حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا. كان على تركيا التحرّك فتحرّكت. الثابت أن الكلّ يسترضي تركيا هذه الأيّام، خصوصا بعد اللقاء الذي انعقد في سانت بيترسبرغ بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. يشمل استرضاء تركيا إيران التي يبدو أنّها قررت، بدورها، الحصول على اعتراف بنفوذها في سوريا من منطلق مذهبي. وهذا يفسّر إلى حد كبير ما حدث في داريا القريبة من دمشق، التي أصبحت بعد ترحيل أهلها منها مرتعا لـ”شبيحة” النظام والميليشيات الشيعية التابعة لإيران.

يبدو واضحا أنّ كلّ هذه الأحداث تصب في منطق توزيع سوريا على تركيا وإيران وروسيا بموافقة أميركية توفّرها المفاوضات التي تجري بين حين وآخر بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. صحيح أن على كيري الإعلان دائما أن لا اتفاق كاملا بعد مع روسيا في شأن سوريا، لكنّ الصحيح أيضا أنّه لا يترك فرصة أو مناسبة كي يعلن أن ليس هناك ما يشير إلى اعتراض أميركي في العمق على ما يقوم به فلاديمير بوتين، خصوصا في سوريا.

من وضع حدّ للتمدد الكردي في الشمال السوري، إلى متابعة تهجير أهل السنّة من دمشق والمناطق المحيطة بها ومن حمص، تتضح الخطوط العريضة للمشروع الروسي – الأميركي للشرق الأوسط الذي يحظى، في ما يبدو، بمباركة إيران وإسرائيل في الوقت ذاته. لا يمكن في ذكرى مرور عام على إرسال روسيا طائراتها إلى قاعدة حميميم القريبة من اللاذقية لمنع سقوط النظام، تجاهل أن كلّ خطوة أقدم عليها بوتين كانت بالتنسيق مع بنيامين نتانياهو. أكثر من ذلك، هناك غرفة عمليات مشتركة تتعاطى مع التفاصيل الدقيقة للوضع السوري منعا لأي احتكاك من أي نوع بين روسيا وإسرائيل!

يترافق الاعتراف بالنفوذ التركي في شمال سوريا والإقرار بالوجود الروسي على طول الساحل السوري مع توسّع إيراني في دمشق ومحيطها، وتطورات خطيرة في أماكن مختلفة من العراق من بينها بغداد. تتعرض بغداد لعملية تغيير في العمق تستهدف طبيعتها وتوزع السكان على أحيائها من منطلق مذهبي ليس إلّا، ليست إيران بعيدة عنه.

كيف دخلت تركيا إلى جرابلس، بكلّ هذه السهولة؟ أين السيادة السورية التي يتشدّق بها بشّار الأسد بين حين وآخر؟ كيف سقطت داريا في يد النظام وميليشيات إيران؟ كيف جرى ترحيل سكّانها من أرضهم بعدما صمدوا ما يزيد على أربع سنوات؟

الجواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة لا يمكن عزله عن طبيعة المرحلة التي يمرّ بها الشرق الأوسط. الجديد أن عملية تفتيت سوريا دخلت مرحلة متقدّمة في ضوء ما حصل في العراق، حيث لم يعد الهمّ الأوّل استعادة الموصل من “داعش”، بل ماذا بعد استعادة الموصل من هذا التنظيم الإرهابي؟

يبقى سؤال أخير، إلى متى يبقى لبنان خارج حال المخاض التي يمرّ بها العراق وسوريا؟ هل يكتفي العالم بالتغاضي عن أنّ “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، وضع الأسس للعلاقات الجديدة القائمة بين الدول العربية في الشرق الأوسط؟

تقوم هذه الأسس على أن الرابط المذهبي في المجتمعات العربية فوق الرابط القومي والوطني. ذهب الحزب إلى سوريا لحماية ما سماه قرى لبنانية داخل الأراضي السورية يقيم فيها شيعة. انتقل بعد ذلك إلى “حماية” المقامات الشيعية في دمشق وقربها. لا يزال هذا الحزب، الذي لديه وزيران في الحكومة اللبنانية، داخل الأراضي السورية. ماذا سيفعل في حال وضعت إيران يدها نهائيا على دمشق ومحيطها بمباركة روسية – أميركية – تركية – إسرائيلية؟ هل يكتفي بما يفعله الآن، أي بمنع انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية… أم يذهب إلى أبعد من ذلك في جهوده الهادفة إلى تغيير طبيعة المجتمع في لبنان وتغيير النظام في الوطن الصغير بشكل نهائي، بما يتلاءم مع التغيير العميق الذي شهده العراق وتشهده سوريا؟

الكثير سيعتمد على صمود اللبنانيين واستمرارهم في مقاومة المشروع التوسّعي الإيراني الذي يعبر عن نفسه في الأراضي اللبنانية، بين حين وآخر، أكثر من أيّ مكان آخر.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين جرابلس وداريا… مرورا ببغداد ودمشق بين جرابلس وداريا… مرورا ببغداد ودمشق



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon