الثمن الذي يطلبه بوتين في سورية

الثمن الذي يطلبه بوتين في سورية

الثمن الذي يطلبه بوتين في سورية

 لبنان اليوم -

الثمن الذي يطلبه بوتين في سورية

خير الله خير الله

من يدفع ثمن الخروج من المأزق الذي أوقع فيه بوتين روسيا؟ الثمن يدفعه الشعب السوري. روسيا لا تستطيع التراجع وإيران الحريصة على 'حزب الله' تعرف أن خروجها من سوريا سيفقدها الجسر الذي تمر عبره إلى لبنان.

ليس أكيدا أنّه يمكن فرض وقف لإطلاق النار في سوريا، خصوصا أن روسيا لا تزال تعتقد أن وقف النار لا يعني وقف قصفها لحلب والمناطق المحيطة بها. تستخدم روسيا حجة اسمها “داعش” للتهرّب من الاعتراف بأنّها جزء لا يتجزّأ من الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري.

يظلّ المطروح، في غياب وضوح ما اتفق في شأنه وزيرا الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأميركي جون كيري في ميونيخ، ما الذي تريده روسيا من خلال حملتها العسكرية في سوريا؟

كلما مرّ يوم، يتبيّن أن هدف الحملة التي بدأت في أيلول ـ سبتمبر الماضي يتمثّل في المساهمة في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري ولا شيء آخر غير ذلك. عدم الوضوح لا يعني غياب الثمن الذي يطالب به فلاديمير بوتين.

ما حقّقته الحملة الروسية إلى الآن، جعل قوات المعارضة المعتدلة في تراجع على جبهات عدة، خصوصا في منطقة حلب. فضلا عن ذلك، استطاع القصف الروسي تهجير عشرات آلاف السوريين وقطع خطوط الإمداد للثّوار.

يحصل ذلك في وقت ليس ما يشير إلى أن تركيا قادرة على مساعدة السوريين، خصوصا بعد التهديد الروسي بلعب الورقة الكردية. ترافق ذلك مع استعداد إيراني لحشد قوّات على الحدود التركية في حال إقدام الرئيس رجب طيب أردوغان على خطوة ما في اتجاه إقامة “منطقة آمنة” داخل الأراضي السورية يلجأ إليها الهاربون من جحيم حلب والمناطق المحيطة بها.

اعتاد فلاديمير بوتين على سياسة هجومية، خصوصا أنّه لم يجد يوما من يقف في وجهه. وصل إلى الرئاسة خلفا لبوريس يلتسن بفضل هذه السياسة التي مارسها أوّلا في الشيشان أواخر العام 1999 وبداية العام 2000. ما تعرّضت له العاصمة الشيشانية، غروزني، في غضون ثلاثة أشهر، لم تتعرّض له أي مدينة في العالم، بما في ذلك مدن ألمانية، مثل دريسدن أو برلين، خلال الحرب العالمية الثانية.

بنى بوتين كلّ حياته السياسية على غياب من يقف في وجهه. انتقل الآن إلى ممارسة هذه السياسة في سوريا بعد نجاحه في أوكرانيا. استطاع أن يفعل هناك ما يشاء بدءا بضمّ شبه جزيرة القرم. اكتشف الرئيس الروسي أن الأوروبيين لا يريدون أي مواجهة من أيّ نوع، وأن إدارة باراك أوباما تكتفي بالتصعيد الكلامي. عندما يتطلّب الوضع الإقدام على أفعال، كلّ ما تفعله واشنطن هو التلطي بالموقف الروسي من جهة، والسعي إلى إيجاد أعذار لتصرّفات فلاديمير بوتين بغض النظر عن الجرائم التي يرتكبها من جهة أخرى… بما في ذلك إسقاط طائرة ركّاب ماليزية في الأجواء الأوكرانية.

اكتفى الأميركيون والأوروبيون بفرض عقوبات على روسيا بسبب ما فعلته في أوكرانيا. هذه العقوبات لم تمنع بوتين من الذهاب إلى سوريا، والإمساك بما يعتقد أنّه ورقة مساومة قويّة يستطيع استخدامها مع الغرب.

في الواقع، إن الورقة الأساسية التي يمسك بها الرئيس الروسي هي رأس بشّار الأسد. هل هناك من هو على استعداد لدفع الثمن الذي يطلبه الرئيس الروسي؟

كشف مؤتمر لندن للمانحين الذي خصص لجمع مساعدات للشعب السوري وللدول التي تؤوي لاجئين أو نازحين سوريين مدى العجز الأوروبي. تبرّعت ألمانيا وبريطانيا والنرويج بسخاء في المؤتمر بغية تغطية عجزها عن الإقدام على أي خطوة على الأرض. كانت أوروبا تتبرّع، فيما كانت الطائرات الروسية تشارك الميليشيات المذهبية التابعة لإيران و”شبيحة” بشّار الأسد في تهجير الشعب السوري من أرضه، وقتل النساء والأطفال وضرب قوات المعارضة المعتدلة!

في نهاية المطاف، هل هناك من يريد دخول لعبة بوتين، خصوصا أن الشرط الأول لوقف الحرب في سوريا هو الانتهاء رسميا من النظام القائم؟ بات معروفا أنّ لا وجود للنظام، ولو صوريا، من دون الدعم الروسي والإيراني. النظام انتهى، لكنّ واجهته لا تزال قائمة وترسل وفدا إلى جنيف للتفاوض مع المعارضة أو من أجل عدم التفاوض معها…

عاجلا أم آجلا، سيكتشف فلاديمير بوتين أن سوريا ليست الشيشان. الشعب السوري ليس الشعب الشيشاني، من دون أن يعني ذلك أي تقليل من شأن الشيشان. لكنّ الواقع الشيشاني شيء، والواقع السوري شيء آخر، خصوصا الواقع الجغرافي.

برّر بوتين الحملة العسكرية في سوريا للمواطنين الروس بقوله إنّها لا تكلّف الخزانة أموالا إضافية. قال، بالحرف الواحد، إن الأموال المرصودة للتدريبات والمناورات العسكرية تصرف في هذه الحرب التي توفّر أفضل حقل تجارب للجيش الروسي!

مثل هذا الكلام مخصّص للاستهلاك الداخلي في روسيا. هذا يفرض العودة إلى السؤال الأساسي: هل هناك من هو مستعد لدفع الثمن الذي يطلبه بوتين؟ من الصعب أن يكون هناك من هو مستعدّ لذلك، خصوصا أن الوقت لا يعمل لمصلحة روسيا ذات الاقتصاد الهشّ الذي يعتمد، أوّلا وأخيرا، على تصدير الغاز والنفط وأسعارهما.

المؤسف أن ليس هناك من يستطيع تلبية مطالب بوتين الذي لا يستطيع بدوره التراجع. ليس هناك من هو مستعد لدفع الفاتورة الروسية التي تبدأ بالقرم وأوكرانيا، والقبول بالسيطرة على حقول الغاز في سوريا، ومنع تحوّل الأراضي السورية ممرا للغاز الآتي من الخليج والذي يمكن أن يجد له زبائن في أوروبا.

فوق ذلك كلّه، ليس هناك من يقبل رفع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب سياستها في أوكرانيا.

من يدفع ثمن الخروج من المأزق الذي أوقع فيه بوتين روسيا؟ الثمن يدفعه الشعب السوري الذي يجد نفسه في وضع فريد من نوعه. العالم كلّه متآمر عليه. روسيا لا تستطيع التراجع وإيران الحريصة على “حزب الله” تعرف أن خروجها من سوريا سيفقدها الجسر الذي تمرّ عبره إلى لبنان. أما الولايات المتحدة، فليس ما يمنعها من التفرّج، إلى ما لا نهاية، على قتل السوريين وتفتيت الكيان السوري. ما ينطبق على الإدارة الأميركية، ينطبق على إسرائيل التي تنسّق يوميا مع روسيا بعدما توصلت إلى التفاهمات المطلوبة معها. ألم يذهب بنيامين نتانياهو إلى موسكو للقاء بوتين عشية بدء الحرب الروسية على الشعب السوري؟

يبقى سؤال واحد: كم المدّة التي يحتاجها الاقتصاد الروسي ليكتشف بوتين أنّه في حاجة إلى إعادة النظر في الثمن الذي يطلبه، وأن لا مجال آخر أمامه غير التفاوض الجدّي على رأس بشّار؟

ليس بعيدا اليوم الذي سيجد الرئيس الروسي، ومعه إيران، أنّ لا خيار آخر غير التفاوض مع المملكة العربية السعودية ودول نفطية أخرى من أجل إيجاد طريقة لرفع أسعار النفط والغاز.

هذا اليوم الذي قد يعود فيه الرئيس الروسي إلى رشده لا يبدو بعيدا. لذلك ليس صدفة الإعلان عن زيارة سيقوم بها لموسكو الشهر المقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز. يترافق الإعلان عن موعد الزيارة مع كلام كثير عن استعداد سعودي لخفض الإنتاج النفطي مليون برميل يوميا، على أن تفعل روسيا الشيء ذاته وذلك من دون المساس بحصة السعودية في السوق العالمية. الحصّة من السوق هي النقطة الأهمّ بالنسبة إلى الرياض، في وقت تعمل إيران على تحقيق اختراق في هذا المجال.

هل هذه الخطوة الأولى على طريق إعادة فلاديمير بوتين النظر في الثمن الذي يريده من خلال تدخّله في سوريا… مع ما يعنيه ذلك من عودته إلى أرض الواقع؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثمن الذي يطلبه بوتين في سورية الثمن الذي يطلبه بوتين في سورية



GMT 23:28 2023 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

سنة القرارات والخيارات

GMT 09:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

بوتين ومشروع الأوراسية

GMT 07:48 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليبيا... العيادة في برلين والطبيب روسي

GMT 07:32 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

عام 2019: كل شىء للبيع بشرط السعر المناسب!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon