خيرالله خيرالله
هناك خوف حقيقي على لبنان. لا وجود لوعي لبناني لخطورة سقوط الوطن الصغير في فخّ ما يحضّره له النظام الايراني في وقت تمرّ فيه المنطقة كلّها في مخاض. يراهن النظام الايراني على الانقسامات اللبنانية- اللبنانية ويستغلها من اجل السيطرة على البلد، عن طريق تفتيته مذهبيا وطائفيا، بهدف تأكيد أن خسارته لسوريا لا تعني في طبيعة الحال أنه سيخسر لبنان.
من اجل بلوغ الايرانيين هدفهم، طرح النائب المسيحي ميشال عون ما يسمّى مشروع اللقاء الارثوذكسي، كي تجري الانتخابات النيابية المقبلة المتوقعة خلال ستة اشهر على اساسه.
قبل كلّ شيء لا علاقة لمشروع القانون المسمّى بـ"الارثوذكسي" بهذه الطائفة اللبنانية. يكفي أنّ من يروج لهذا المشروع نائب ماروني هم ميشال عون معروف بأنه مرتبط ارتباطا عضويا بـ"حزب الله" الايراني. الحزب نفسه لا ينفي أنّه ايراني ويتفاخر بأنّ مرجعيته في طهران حيث "الوليّ الفقيه"...
يختبئ عون، المختص بتهجير مسيحيي لبنان من لبنان، خلف كلمة ارثوذكسي لتمرير مشروع يصبّ في نهاية المطاف في نسف اتفاق الطائف والقضاء على مسيحيي لبنان. وهذا هدف وضعه "حزب الله" الايراني نصب عينيه منذ فترة طويلة. يريد عون، وهو مجرد اداة لدى الادوات الايرانية، تحويل المسيحيين الى مجرد مجموعة صغيرة لا علاقة لها بديمومة لبنان وتميّزه كوطن يضم طوائف ومذاهب عدة تتفاعل مع بعضها بعضا على كلّ المستويات وفي مختلف الحقول وتشكل مصدر غنى للوطن الصغير.
ماذا ينفع لبنان اذا صار كونفيديرالية بين الطوائف بدل أن يكون مساحة تتسع لجميع مواطنيه لا مكان فيها سوى لمؤسسات الدولة التي تكون في خدمة جميع اللبنانيين، كما كانت عليه الحال ما قبل العام 1970 تاريخ وصول حافظ الاسد الى السلطة في سوريا ومباشرته التدخل المباشر والوقح في الشؤون اللبنانية بهدف تدمير صيغة العيش المشترك في الوطن الصغير.
في الواقع، كان تحويل مسيحيي لبنان الى مجموعة خائفة تحتاج الى حماية خارجية هدفا دائما للنظام السوري. من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى تدفق الاسلحة على لبنان من سوريا منذ اصبح حافظ الاسد وزيرا للدفاع في العام 1966 ثم فرض اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969.
هناك في سوريا نظام، بدأ في العام 1966 يتخذ شيئا فشيئا شكله العلوي، عمل دائما على ان يكون هناك تقوقع مسيحي في لبنان عن طريق زرع بذور التفرقة بين الطوائف والمذاهب.
استخدم في البداية الوجود الفلسطيني المسلّح لارباك المسيحيين ودفعهم الى تشكيل ميليشيات عادت عليهم بالويلات. ثم استخدم الشيعة عن طريق توسيع الشرخ بينهم وبين السنّة من جهة وتغيير طبيعة المجتمع الشيعي من جهة اخرى. وعمل دائما في اتجاهين واضحين. الاوّل القضاء على ايّ رمز سنّي بارز والآخر الهيمنة على الدروز وتهميشهم. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977 وضبط وليد جنبلاط حتى العام 2005 تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم اعادته تدريجا الى بيت الطاعة ابتداء من غزوة بيروت والجبل في ايار– مايو 2008.
الموضوع ليس موضوع قانون انتخابي تنتخب فيه كلّ طائفة نوّابها وكأنّ لبنان مجموعة كانتونات. الموضوع يتجاوز ذلك بكثير. هناك نظام ايراني اخذ على عاتقه تحويل لبنان محمية لديه في وقت لا مجال لاعادة الحياة الى النظام السوري. تسعى ايران من خلال الترويج للمشروع المسمّى زورا وبهتانا "المشروع الارثوذكسي" الى جعل لبنان كلّه تحت سيطرتها.
اذا وضعنا لبنان ككلّ جانبا، وهو الهدف الاكبر. هناك اربعة اطراف مستهدفة ايرانيا. هناك سنّة لبنان الذين تسعى طهران الى ادخالهم في مواجهة مع المسيحيين وذلك عقابا على رفعهم شعار "لبنان اولآ" بعدما لعبوا طويلا دور المواطن "العروبي" الساعي الى تذويب لبنان في محيطه.
وهناك المسيحيون المطلوب منهم أن يكونوا في حال عداء مع كلّ مكوّنات المجتمع اللبناني وأن يكونوا في حماية سلاح "حزب الله". يفترض بمن لديه قليل من الذاكرة ان يتساءل لماذا كان كلّ هذا الاصرار السوري، منذ العام 1975، على تجميع مسيحيي لبنان في منطقة واحدة بعدما كانوا منتشرين في كلّ لبنان؟ لماذا ارتكبت كلّ هذه المجازر التي استهدفت قرى وبلدات مسيحية في ما يسمّى الاطراف. بعض هذه المجازر ارتكبها فلسطينيون. ولكن في كلّ مرّة من المرات، كان هناك النظام السوري الذي يحرّك هذه المنظمة الفلسطينية التابعة له من خلف. ولا شكّ ان ما حصل في بلدة الدامور في منطقة الشوف ابلغ دليل على ذلك. ما يفعله الايراني حاليا تتمة لما فعله السوري في الماضي القريب...
وهناك الدروز المطلوب ان يكونوا اقلية تتصرّف بمنطق الباحث دائما عن حماية وحضن دافئ.
وهناك ما بقي من الشيعة اللبنانيين الاحرار الذين رفضوا دائما وما زالوا يرفضون ان يكونوا جزءا من المشروع الايراني الهادف الى تغيير طبيعة مجتمعهم المنفتح من جهة وتحويلهم الى ميليشيا مذهبية ترهب الطوائف الاخرى وتتحكّم بها وبمفاصل الدولة اللبنانية من جهة اخرى.
هناك مخاوف مسيحية حقيقية مبررة من الاحداث التي تشهدها المنطقة. انها مخاوف مفهومة وهذا جعل ميشال عون قادرا على المزايدة، حتى عنصريا، محرجا مسيحيين آخرين، كان مفترضا بهم التمتع بحدّ ادنى من الوعي في ضوء الظروف الراهنة. من الضروري اخذ هذه المخاوف المسيحية في الاعتبار بدل ترك ما يسمّى "الجنرال" يستغلها بدفع من "حزب الله".
مرّة اخرى، ما على المحك حاليا يتجاوز القانون الانتخابي. ما على المحكّ مصلحة اللبنانيين ككلّ. هل آن وقت تغيير النظام عبر انقلاب ينفّذه "حزب الله" الايراني على مراحل؟
كانت غزوة بيروت والجبل في ايار- مايو 2008 محطة في هذا الانقلاب الذي بوشر به بالتمديد لاميل لحود خريف العام 2004 ثم باغتيال رفيق الحريري وصولا الى تشكيل حكومة "حزب الله" الحالية برئاسة سنّي من طرابلس فُرض عليه أن يكون في هذا الموقع ولا يزال مفروضا عليه عدم الاستقالة على الرغم من أن طائفته "مستهدفة" على حدّ تعبيره.
في وقت، يمرّ الشرق الاوسط في مرحلة مصيرية تفوق في خطورتها ودقتها مرحلة قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين في العام 1948، فانّ افضل ما يستطيع أن يفعله اللبنانيون هو التريث قليلا والابتعاد عن المناورات الايرانية قدر الامكان. مطلوب بكل بساطة أن يفهم جميع اللبنانيين مغزى الرسالة الايرانية وفحواها والتي يختصرها طابع رسمي صدر عن الدولة الايرانية يمثّل خريطة لبنان وقد زرع في قلبها علم "حزب الله".
مشروع أن يتساءل المسيحي خصوصا، واللبناني عموما، ما البديل من المشروع المذهبي المطروح للانتخابات المقبلة. ولكن ما هو مشروع اكثر التساؤل هل آن وقت تغيير النظام اللبناني بدءا بتفتيت البلد طائفيا ومذهبيا؟ من يستفيد من التفتيت غير الدويلة التي اقامها "حزب الله" بسلاحه الايراني الذي الغى سلاح الدولة اللبنانية؟ أين موقع المسيحيين في المعادلة الجديدة؟ هل مطلوب أن ينتقلوا من الوصاية السورية التي رفضوها دائما...الى الوصاية الايرانية التي يطمح اليها ميشال عون ومن على شاكلته من الذين ادخلوا السوري الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية؟
في النهاية، لو كان ميشال عون يعرف معنى ما يتحدّث عنه ومعنى الكلام الذي يوضع في فمه ليصبح مثل الببغاء لا اكثر، لكان الآن مقيما في حارة حريك، التي هي مسقط رأسه...وليس في الرابية!
تختصر الرحلة بين حارة حريك، التي هُجّر منها المسيحيون واصبحت معقلا لـ"حزب الله"، والرابية الواقعة في المتن المسيحي، الى حدّ كبير مأساة مسيحيي لبنان وجلجلتهم. في اساس المأساة العجز عن فهم طبيعة النظام السوري السابق الذي بدأ تأسيسه منذ 1966 او النظام الايراني الحالي الذي لا همّ له سوى المتاجرة بهم وبوطنهم الصغير...