عندما يصارح صُباح الأحمد الكويتيين…

عندما يصارح صُباح الأحمد الكويتيين…

عندما يصارح صُباح الأحمد الكويتيين…

 لبنان اليوم -

عندما يصارح صُباح الأحمد الكويتيين…

خيرالله خيرالله

هناك رسائل عدّة وجّهها أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد، من خلال الخطاب الذي افتتح به دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمّة (البرلمان).

في مقدّمة هذه الرسائل وجود تقاليد ديمقراطية حقيقية باتت راسخة، إلى حدّ ما، في الكويت. هذه التقاليد، بما في ذلك انعقاد مجلس الأمّة في مواعيد محددة ولعب دوره في مجال مراقبة العمل الحكومي، بعيدا عن المهاترات والمزايدات، باتت جزءا لا يتجزّأ من الحياة السياسية في البلد. باتت هناك تقاليد معتمدة تساهم في حماية الكويت والمجتمع الكويتي. وقد استطاع الشيخ صُباح تصحيح المسار، متى تطلّب الأمر ذلك. استخدم الأمير القوّة الناعمة في عملية التصحيح بعد حصول تجاوزات استهدفت جعل مجلس الأمّة مسرحا للمهاترات ومكانا يستخدم لتعطيل العمل الحكومي بدل تسهيله. إضافة إلى ذلك، تخلّى النوّاب، من ذوي الأجندات الخاصة، في مرحلة معينة عن مهمتهم الأساسية المتمثلة في التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية وتصحيح ما يحتاج إلى تصحيح متى تدعو الحاجة إلى ذلك.

لم يعد مجلس الأمّة في أيامنا هذه منبرا للخطابة والكلام الفارغ في ظل وجود حكومة جدّية برئاسة الشيخ جابر المبارك. صار للمجلس في السنوات القليلة الماضية، خصوصا بعد الانتخابات الأخيرة، دور في مجال حماية السلم الأهلي وتوعية المواطن إلى الأخطار المختلفة المحيقة بالبلد.

واضح أن رئيس المجلس مرزوق الغانم لعب الدور المطلوب في مجال وضع الأمور في نصابها وجعل مجلس الأمّة منتجا، قدر الإمكان طبعا، بدل أن تكون هواية النوّاب التعطيل من أجل التعطيل وجعل الديمقراطية أقرب إلى الفوضى المنظمة من أيّ شيء آخر.

هناك انتظام لعمل السلطات المختلفة عبّر عنه الأمير. هذا يسمح بقول الأشياء كما هي، أي بجعل الكويتيين يواجهون الواقع من دون عمليات تجميل. ولذلك، كان على الشيخ صُباح دقّ جرس الإنذار وإطلاق التحذير تلو التحذير، وجعل الكويتيين يتنبهون إلى أنهم لا يعيشون في جزيرة لا تتأثر بما يدور حولها. إنّهم يعيشون في عالم خطر وفي منطقة خطرة، خصوصا بعدما طرق الإرهاب أبواب الكويت مجدّدا. هناك جريمة مسجد الإمام الصادق التي يقف خلفها “داعش” والتي كان الهدف منها إثارة الغرائز المذهبية. وهناك كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات آتية من إيران عثرت عليها قوات الأمن التي أوقفت أيضا أشخاصا تدرّبوا لدى “حزب الله” في لبنان. هذا ما جعل صُباح الأحمد يوجّه رسالة أخرى، جاءت بمثابة تحذير. فحوى الرسالة أن لا شيء يحمي الكويت أكثر من المحافظة على الوحدة الوطنية والابتعاد عن كلّ ما من شأنه إثارة الفتن بين الكويتيين. قال بالحرف الواحد “إن هذه الجريمة النكراء والخلايا الإرهابية ومخازن الأسلحة والمعدات الإرهابية التي كشفتها أخيرا العيون الساهرة على أمن الوطن، والتي نسجّل لها الشكر والتقدير، تدقّ عاليا أجراس الخطر تحذيرا وإنذارا، وتوجب علينا المزيد من اليقظة والانتباه، وأن نجعل أمن الوطن وسلامة المواطنين همّنا الأوّل وشغلنا الشاغل الذي يتقدّم على كلّ ما سواه”.

هذا لا يعني بأي شكل أن السهر على أمن المواطن والوطن يغني عن التطرق إلى ضرورة معالجة ما تعاني منه الكويت. قال الأمير، بصراحة ليس بعدها صراحة، إن النمط الراهن الذي تعيش الكويت على وقعه لا يمكن أن يستمرّ. اعتبر أن التحديات الاقتصادية التي تمرّ بها الكويت في مستوى التحديات الأمنية، بل أهمّ منها، مشيرا إلى أن إيرادات الدولة تراجعت بفعل تراجع مداخيل النفط بنحو ستين في المئة، في حين استمرّ الإنفاق العام على حاله من دون أي خفض يتناسب مع انخفاض أسعار النفط. ذهب إلى أبعد من ذلك بتحذيره من “مخاطر النمط الاستهلاكي” موجها الحكومة نحو “إجراءات لترشيد الإنفاق والتصدي لمظاهر الفساد وأسبابه” داعيا المواطن العادي إلى “تفهّم تدابير الإصلاح والتعامل المسؤول مع متطلباته”، مطمئنا إياه إلى أنّه لن يتمّ المساس بأسباب العيش الكريم ولا بدخل الفئات المحتاجة ولا بصندوق الأجيال.

تواجه الكويت تحديات جديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي. لذلك تطرّق صُباح الأحمد إلى الوضع الإقليمي وانعكاساته على الداخل، أو كيف أريد لها أن تنعكس، متطرقا إلى “إرهاب الدول والجماعات المسلّحة تحت سقف الطائفية والعرقية”. استذكر “المحاولات المستمرة للعزف على أوتار الطائفية واستغلال النزعات القبلية والفئوية والعرقية والطبقية”. بدا كأنّه يتحدث عن كل دولة من دول العالم العربي مرّت، وتمرّ، بكل هذه الأحداث أو بأجزاء منها. بدا أيضا وكأنّه يقول إن “التعبئة الطائفية والمذهبية والقبلية هي الجريمة الأكبر، فيما التفجيرات تأتي استكمالا أو ترجمة طبيعية لها”.

ومن الدلالات البالغة الأهمّية في خطاب أمير دولة الكويت الردّ على من يريد الاصطياد في المياه العكرة بين الكويت والدول الأخرى في مجلس التعاون، خصوصا المملكة العربية السعودية. كان واضحا في تأكيد أنّ بلاده “جزء لا يتجزّأ من منظومة مجلس التعاون، وكلّ تهديد يستهدف أمن إحدى الدول، إنّما هو تهديد لأمن الكويت وسائر دول المجلس”. تحدّث عن “عاصفة الحزم” ومشاركة الكويت فيها بلا تردد مشيدا بـ”أخينا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أطلقها وقادها بكلّ شجاعة حماية لأمن المملكة ودفاعا عن الشرعية في اليمن”.

كان الخطاب كلمة في غاية الصراحة والوضوح أرادها أمير الكويت أن تصل مباشرة إلى كلّ بيت كويتي وعربي. أراد أن يقول إن التطرّف، بشقيّه السنّي والشيعي، يقوّض أركان المجتمع، أي مجتمع، كما أنّ استمرار النمط الاستهلاكي في الكويت، في ظل انخفاض أسعار النفط، يؤدي إلى انهيار المداخيل لدى العائلات ويقوض أركان المجتمع والدولة، أي دولة، مهما امتلكت من ثروات.

في ختام خطابه، شخّص الداء ووصف الدواء المتمثل بالتزام الدستور والقانون من جهة، و”عدم أخذ الكثرة بجريرة قلة” من جهة أخرى، مشيرا إلى أنّه “إذا حدث أن أخطأ فرد في حق الوطن والمجتمع أو خان الأمانة وفرّط بشرف الانتماء الوطني، لا يجوز أبدا التعميم على طائفته أو قبيلته بغير سند أو دليل”. قال صُباح الأحمد لمواطنيه في خطاب المصارحة إنّ عليهم التصرّف من منطلق “الكويت أوّلا” لا أكثر ولا أقلّ، وذلك في ظل التعقيدات الإقليمية والأحداث التي تمرّ بها المنطقة والتي لم تعد ترحم أحدا. ليس للكويتي سوى الكويت. هل يمكن لمواطن التفريط بضمانته الوحيدة، وهي ضمانة له ولعائلته وللأجيال الآتية؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يصارح صُباح الأحمد الكويتيين… عندما يصارح صُباح الأحمد الكويتيين…



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon