'الإمام' يظهر مجددا في اليمن. هذا الإمام يبحث عن شرعية. ليس عبدالملك الحوثي، ابن السادسة والثلاثين سوى الإمام الجديد.
هل يكفي أن يستبدل الحوثيون، أي “أنصار الله”، رئيس “اللجنة الثورية” الموجود في صنعاء بآخر ذي شكل معقول كي يحصلوا على شرعية ما؟ ليس استبدال يوسف الفيشي بمحمّد علي الحوثي كافيا كي يقتنع أهل صنعاء واليمنيون بأنّ شيئا ما تغيّر. فتغيير الوجوه والأشكال لا يوفّر شرعية لأيّ انقلابي كان مهما امتلك من مسلّحين ومن سلاح متطوّر ومن عصبية مذهبية.
ما يوفّر الشرعية لأيّ نظام هو النهج الديمقراطي الذي يحترم الدستور المعمول به والقبول بمبدأ الابتعاد عن السلاح من أجل فرض نظام ما أو شرعية ما.
لا يمكن فرض شرعية بالقوّة. هذا كلّ ما في الأمر. وهذا ما يحتاج أن يفهمه “أنصار الله” في اليمن، في حال كانوا يريدون أن يكونوا طرفا في السلطة أو في الحياة السياسية في البلد.
في أساس الأزمة المستجدة في اليمن أنّ “أنصار الله” يعتقدون أنّ في استطاعتهم إعادة التاريخ ما يزيد بقليل على نصف قرن إلى الخلف. يسعون حاليا إلى إصلاح ما حصل في العام 1962. وقتذاك حصلت “ثورة” في اليمن.
أطاح ضباط من مشارب مختلفة بالنظام الإمامي وقامت “الجمهورية العربية اليمنية” التي ما لبثت أن حلت مكانها “الجمهورية اليمنية” بعد قيام الوحدة بين الشمال والجنوب في الثاني والعشرين من مايو 1990.
في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، سيطر الحوثيون على صنعاء سيطرة كاملة. هناك من لا يريد أخذ العلم بذلك والتصرّف انطلاقا من النتائج المترتبة على هذا الحدث التاريخي الذي يعني، من وجهة نظر عبدالملك الحوثي حلول “ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014” مكان “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962” .
هناك نظام جديد قام في اليمن. قام “الإمام” بثورته. المؤسف في الأمر أنّ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر يتعامى عن الواقع.
احتاج مجلس الأمن إلى ما يزيد على أربعة أشهر لأخذ علم بما يجري في اليمن. لم يستوعب بنعمر حتّى ماذا يعني فرض “أنصار الله” ما يسمّى “اتفاق السلم والشراكة” بقوّة السلاح.
هذا الأمر يطرح سؤالا بديهيا. هل الأمم المتحدة مع “اتفاق السلم والشراكة” أم ضدّه. كيف يمكن أن تكون ضدّ هذا الاتفاق، فيما بنعمر حضر الاحتفال بتوقيعه وأشرف على رعايته بكلّ طيبة خاطر؟
لا وجود لمنطق يبرر تصرّفات ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة، خصوصا بعدما أصدر مجلس الأمن قرارا يعلن فيه التمسّك بالمبادرة الخليجية ويطالب بالإفراج عن مؤسسات الدولة وإطلاق الرئيس الانتقالي المستقيل عبدربّه منصور هادي الموجود في الإقامة الجبرية مع شخصيات أخرى تعاونت معه، بمن في ذلك رئيس الوزراء خالد بحّاح.
هل أخذ مجلس الأمن علما بقيام نظام جديد في اليمن؟ هل أخذ علما بأنّ “اتفاق السلم والشراكة” حلّ مكان المبادرة الخليجية التي صارت في خبر كان بعدما نسفها “أنصار الله” من أساسها؟
ظهر “الإمام” مجددا في اليمن. هذا الإمام يبحث عن شرعية. ليس عبدالملك الحوثي، ابن السادسة والثلاثين سوى الإمام الجديد. هذا هو الواقع الذي يفترض في المجتمع الدولي، بما في ذلك أعضاء “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” التعاطي معه. هل من رغبة في ذلك… أم هناك بديل يتمثّل في رفض الانقلاب، الذي تقف خلفه إيران، ومقاومته؟
من يحتاج إلى التأكد من حصول “الانقلاب الإمامي”، يستطيع العودة إلى البيان الذي وزّعته وكالة “سبأ” الرسمية عن اجتماع عقدته “اللجنة الثورية” في القصر الجمهوري في صنعاء. هذا القصر كان قصر الإمام في صنعاء قبل ثورة 1962.
هذه “اللجنة الثورية” التي شكّلها “أنصار الله” باتت الحاكم الفعلي لليمن. رئيس اللجنة، الذي استبدل أخيرا، كان يدعى محمد علي الحوثي الذي صار في الواقع رئيسا للجمهورية اليمنية، في حين يلعب عبدالملك الحوثي، أو “السيّد” المقيم في صعدة دور “المرشد”، على غرار ما هو حاصل في إيران حيث الوليّ الفقيه السلطة العليا.
أشار الخبر الذي وزعته “سبأ” إلى أنّ “اللجنة الثورية ناقشت في اجتماعها اليوم (يوم الأحد) في القصر الجمهوري في صنعاء برئاسة رئيس اللجنة، الذي رفض إقالته، مشروع اللائحة المنظّمة لعملها خلال الفترة القادمة ومهامها في متابعة تسيير شؤون الدولة وفقا للإعلان الدستوري”.
هناك الآن “اتفاق السلم والشراكة” وهناك “الإعلان الدستوري”. هناك عمليا سلطة جديدة في اليمن غير معترف بها دوليا. لكنّ هذه السلطة قائمة وهي تسعى إلى التمدّد في كلّ أنحاء البلد. تحاول هذه السلطة، على طريقة “حزب الله” في لبنان وبشّار الأسد في سوريا والنظام الإيراني الذي يتحكّم بالعراق تسويق نفسها. ليس لديها ما تسوّق به نفسها سوى الإعلان عن أنّها في حرب مع “القاعدة” ومع “التكفيريين”. هل يُعتبر ذلك كافيا للحصول على شرعية ما من المجتمع الدولي في وقت أغلقت معظم السفارات الأجنبية والعربية أبوابها في صنعاء؟
كلّ ما يمكن قوله إنّ المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، لا يمتلك أيّ جدية في ما يتعلّق بالتعاطي مع اليمن. الموضوع الذي بات مطروحا في غاية البساطة. هل من اعتراف دولي بالنظام الجديد الذي أقامته إيران في شمال اليمن أم لا؟
كلّ ما تبقّى تفاصيل. نجحت إيران في إقامة دويلة خاصة بها في شمال الشمال اليمني. تبيّن مع مرور الأيّام أن تقدّم الحوثيين في الوسط والجنوب سيكون صعبا. ما بات واقعا الآن، بعدما أكّد “أنصار الله” أنّهم ليسوا في وارد التراجع عن مشروعهم، هو نظام الإمامة في صنعاء ولكن على الطريقة الإيرانية.
هل هو نظام قابل للحياة؟ الجواب نعم، ولكن لفترة قصيرة، خصوصا أنّ القوى السياسية اليمنية كشفت ضعفها، بمن في ذلك الإخوان المسلمون الذين يبدون على استعداد لمشاركة الحوثيين في السلطة نكاية بعلي عبدالله صالح الذي لا يزال يمتلك حيثية في اليمن.
يتلهّى المجتمع الدولي في القشور ويبتعد عن الأساس. يرفض الاعتراف بأنّ عبدالملك الحوثي شخص جدّي يعني كلّ كلمة يقولها. إنّه ليس ظاهرة عابرة في أيّ شكل، خصوصا أنّه الطرف السياسي الوحيد الذي يعرف ماذا يريد في اليمن.
سيرسم الحوثي خريطة لليمن الجديد. سيكون سلاحه ورقة الحرب على “القاعدة”. ليس معروفا بعد هل الإدارة الأميركية في وارد السقوط في الفخّ الحوثي، الذي هو فخّ إيراني آخر.
يبدو كل شيء واردا مع إدارة مثل إدارة أوباما احتاجت إلى بضعة أشهر لتدرك أن شعارات “أنصار الله”، ومن بينها شعار “الموت لأميركا” يمكن أن تصبح جدّية متى دعت الحاجة إلى ذلك… بعدما صار الحوثيون في قصر الإمام في صنعاء وذلك بغض النظر عما إذا كان محمد علي الحوثي يرأس الاجتماعات التي تعقد في القصر أم يوسف الفيشي…