خيرالله خيرالله
لا يمرّ يوم من دون حادث أمني خطير في اليمن. هناك يمن يتشظّى. مستقبل البلد في مهبّ الريح. ما كشفه شريط، وزّع على نطاق واسع، عن وجود «القاعدة» في منطقة يعتقد بأنها بين محافظتي شبوه وحضرموت أو في مأرب أكثر من مخيف. ظهر مئات من عناصر هذا التنظيم الإرهابي يرحّبون بتسعة وعشرين سجيناً من التنظيم فرّوا في شباط/ فبراير الماضي من السجن المركزي في صنعاء في ظروف غير غامضة. وجد من يهاجم السجن ومن يفتح، عن طريق التفجير، كوّة هرب منها السجناء المطلوب أن يهربوا وأن يلقى هؤلاء استقبال الأبطال في المنطقة التي وصلوا إليها. هذه المنطقة بعيدة جدّاً عن صنعاء. وصول العناصر «القاعدية» إلى حيث وصلت، أي إلى منطقة بعيدة مئات الكيلومترات عن العاصمة، يشير إلى مدى انعدام الأمن في البلد وسقوط السلطة المركزية. تبيّن أنّ «القاعدة» تسرح وتمرح في هذه المنطقة اليمنية أو تلك، خصوصاً في صنعاء نفسها التي استطاع السجناء السابقون الخروج منها بسهولة... في ما يبدو.
كشف الاحتفال الذي أُعدّ للسجناء في مأرب أو في منطقة بين شبوة وحضرموت حال الفلتان التي يعاني منها بلد يُخشى من تحوّله مشكلة ضخمة على كلّ صعيد. ليس وجود «القاعدة» في أنحاء مختلفة من هذا البلد ذي الموقع الإستراتيجي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها اليمن. هناك مشاكل كثيرة في بلد فقير من كلّ النواحي علماً أنّه يمتلك ثروات كبيرة كان في الإمكان استغلالها لو توفّر مستوى معيّن من التعليم والوعي السياسي والاجتماعي.
ليس في استطاعة أي طرف من الأطراف اليمنية التصرّف بطريقة توحي بأنّ هناك من استوعب حقيقة ما جرى في البلد. كلّ ما في الأمر أنّ هناك أطرافاً تعتقد بأن الخريطة السياسية والتوازنات التي كانت قائمة في الماضي لم تتغيّر وأنّ في الإمكان التصرّف من هذا المنطلق. هذا ما يفعله ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة الذي يبدو مصرّاً على تجاهل الواقع الجديد في البلد.
في الواقع، تغيّر كلّ شيء. الجنوب لم يعد الجنوب. والشمال لم يعد الشمال. والوسط لم يعد الوسط. اليمن كلّه تغيّر. كان اللواء يحيى المتوكل، رحمه الله، يقول إن ضمانة اليمن في نهاية المطاف أن كل فرد يعود الى قبيلته، عندما تشتدّ المخاطر وأنّ كل قبيلة من القبائل ستجد نفسها مضطرة للدفاع عن اليمن.
يبدو أنّ هذه النظرية كانت صحيحة، إلى حدّ كبير في الماضي القريب. لم تكن معادلة «القاعدة» موجودة، كذلك لم تكن موجودة القوة التي يمتلكها الحوثيون في شمال الشمال والتي يمكن أن تجعل منهم في مرحلة قريبة الطرف المهيمن في صنعاء نفسها، إضافة إلى أن الحوثيين يطمحون إلى أن يكونوا مسيطرين على دولة خاصة بهم تضمّ محافظات صعدة وعمران وحجّة والجوف. مثل هذه الدولة ستمتلك ميناء خاصاً بها هو ميدي، المطل على البحر الأحمر، كما ستكون لها حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية. هذه الدولة التي يبنيها الحوثيون، المرتبطون مباشرة بالنظام الإيراني على طريقة «حزب الله» في لبنان، ستمتلك ثروات كبيرة هي ثروات محافظة الجوف التي هي امتداد طبيعي للربع الخالي الذي فيه ثروة مائية (في باطن الأرض) لا تقدّر بثمن. هناك أيضاً دراسات تشير إلى أن في الجوف ثروات أخرى، خصوصاً لجهة المعادن والغاز.
بكلام أوضح، إنّ اليمن الذي عرفناه لم يعد قائماً. كان علي عبدالله صالح آخر رئيس حقيقي لليمن الموحّد بعدما صار الصراع على السلطة داخل أسوار صنعاء وذلك منذ اليوم الذي قرّر فيه آل الأحمر، أي أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رحمه الله، الانقلاب على الرئيس اليمني الذي صار الآن رئيساً سابقاً. لم يستوعب هؤلاء أن وقوف اللواء علي محسن صالح الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرّع، كما يسمّيها اليمنيون، قد يكون كافياً للتخلّص من علي عبدالله صالح، إلّا أنّه ليس كافياً للاستحواذ على السلطة وحكم اليمن انطلاقاً من صنعاء.
كان الحوثيون الطرف الذي استفاد أكثر من غيره من غياب علي عبدالله صالح. صاروا يهددون صنعاء بعد إخراجهم آل الأحمر، الذين كانوا زعماء حاشد، من بيوتهم في محافظة عمران.
في الوقت ذاته، لم يعد معروفاً من سينتصر في الجنوب بعد خروجه نهائياً من تحت سلطة الدولة المركزية. هناك واقع جديد في الجنوب. لم ينفصل الجنوب بعد رسمياً. ما حصل أن هناك مخاطر حروب طويلة فيه في ظلّ سيطرة «القاعدة» على مناطق معيّنة والفوضى السائدة في حضرموت وعدن وفي كلّ المحافظات التي كان يتشكّل منها في الماضي اليمن الجنوبي. يترافق ذلك مع استثمار لقوى خارجية بينها إيران في المشروع الانفصالي الذي يقوده ما يسمّى «الحراك».
فوق ذلك كلّه، هناك موضوع يطرح نفسه بإلحاح. ما العمل بالوسط الذي يدور حول مدينة تعز والذي يمثّل أكبر تجمّع سكاني في اليمن؟ هذا الوسط الشافعي الذي لم يمتلك وزناً سياسياً في عهد علي عبدالله صالح كان شريكاً في القرار الوطني من بوابة الاقتصاد نظراً إلى أن معظم كبار التجار اليمنيين ينتمون إليه.
من الآن، يمكن القول إن الحوار الوطني في اليمن والذي انتهى بصيغة الدولة الاتحادية والأقاليم الستة، لم يستطع مقاربة المشكلة اليمنية من زاوية واقعية، أي من زاوية أنّ اليمن الذي عرفناه لم يعد قائماً. لم يعد من وجود للدولة المركزية وللحكومة الموجودة في صنعاء في اليوم الذي يستطيع سجناء «القاعدة» الهرب من السجن المركزي والاحتفال بما فعلوه بكلّ أمان واطمئنان في منطقة تبعد مئات الكيلومترات عن العاصمة. لم يعد هناك دولة عندما يستنجد آل الأحمر بالجيش في مواجهة الحوثيين ويكتشفون أن ذلك لم يعد ممكناً بعدما انهارت معادلة «الشيخ والرئيس» التي كانت تختزل المعادلة السياسية في اليمن منذ العام عندما أصبح علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية.
لم يعد السؤال هل يتفجر اليمن من داخل؟ بات المسرح جاهزاً لهذا التفجّر في ظل صعود الحوثيين وضياع الوسط والفوضى المسلّحة في الجنوب. السؤال ما تأثير التشظي اليمني على المنطقة المحيطة باليمن والقريبة منه، أي دول الخليج العربي ومنطقة القرن الأفريقي؟