بين البيت الأبيض وكامب ديفيد «عاصفة الحزم» إلى الهدوء

بين البيت الأبيض وكامب ديفيد: «عاصفة الحزم» إلى الهدوء

بين البيت الأبيض وكامب ديفيد: «عاصفة الحزم» إلى الهدوء

 لبنان اليوم -

بين البيت الأبيض وكامب ديفيد «عاصفة الحزم» إلى الهدوء

طلال سلمان

أمام مدخل جانبي للبيت الأبيض في واشنطن، توجب على الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يستقبل، بحسب أصول البروتوكول، أميرين رئيسين لدولتين خليجيتين، وثلاثة أمراء من أولياء العهد، بينهم اثنان ملكيان (السعودية والبحرين) والثالث لدولة الإمارات العربية المتحدة. تصل السيارة بالضيف، يسارع الضابط إلى فتح الباب، يترجل الأمير فيتقدم نحو أوباما الذي يتلقاه مرحباً ثم يصحبه إلى الباب، فيربت على كتفه، ثم يسلمه إلى رجال البروتوكول، ويعود إلى وقفة الاستعداد لاستقبال الضيف التالي. يغلق الباب على الرئيس وصحبه، وينفتح باب التعارف، بغير أن يغفل الرئيس أمر الاطمئنان إلى الغائبين: الملك الأكبر (سلمان بن عبد العزيز آل سعود) والملك الأصغر (البحرين) فضلاً عن أمير دولة الإمارات. وبعد لحظات يهدأ روع الضيوف الذين يملك كل منهم قصراً بل قصوراً أكبر بما لا يقاس وأغنى رياشاً وأفخم بسجادها وثرياتها والتحف المنتثرة فيها من هذا «البيت» الذي ـ على بساطته ـ يكاد أن يكون مركز حكم العالم. على كل أن يعود إلى حجمه الفعلي الآن. على أن ما يطمئن الضيوف أن مضيفهم «أسمر» مثلهم، بل ربما كان أعظم سمرة منهم جميعاً... ثم إن في اسمه ما يدل على أنه «مسلم» بنسبة ما، أليس «حسين» اسم والده؟
]]]
في منتجع كامب ديفيد، الذي ابتناه بطل حرب كوريا الرئيس دوايت ايزنهاور، كان الوفد الخليجي قد استعاد ثقته بنفسه، وشعر بأنه في بيته، ولذا فقد انتشر أعضاؤه من حول «الرئيس»، وخضعوا للبروتوكول الذي يقدم أمير دولة قطر على ولي عهد السعودية، وأمير الكويت على ولي عهد البحرين ومعه ولي عهد الإمارات. ثم وقف الجميع يبتسمون للمصورين، قبل أن يغلق عليهم الباب ليواجهوا الحقائق في «بيت السر» الذي طالما شهد مساومات ومناورات فيها قدر من الغواية قبل أن يحسم الأمر بالتوقيع على ما كان مرفوضاً والقبول بما كان من المحرمات.
كان أعضاء الوفد يعيشون حالة زهو بالانتصار الذي حققه طيرانهم الحربي عبر تدمير اليمن، شمالاً وجنوباً، مدناً وقرى ودساكر تعلو رؤوس الجبال أو تنطوي على فقرها على أطراف الهضاب في البلاد التي خسرت ثروتها ذات السمعة العالمية من البن بعدما اجتاح «القات» الأرض ومن عليها.
يمكن للوفد المذهَّب، وإن غاب عنه الملوك، أن يتباهى، الآن، بأنه قد باشر صد «الاجتياح الإيراني» لأرض الذهب العربية! لقد وضعت «عاصفة الحزم» نقطة النهاية لهذا «التمدد الفارسي»، وبالقوة المسلحة.
لكن ذلك كله لم يستولد الحماسة الأميركية المطلوبة لهذه الحرب التي لا تراها واشنطن حاسمة ويمكن توظيفها لإضعاف إيران. ثم إنها تبدو بعيدة عن قبول الذرائع بعدها عن التسليم بالنتائج كما يراها أبطال «عاصفة الحزم»:
فواشنطن لا تبدو متحمسة للمنطق القائل إن السعوديين (الوهابيين) ومعهم من رغب من الخليجيين وسائر الدول الحليفة (عرباً وغير عرب)، قد استنقذوا بحر العرب ومضيق باب المندب، وبالاستطراد البحر الأحمر من الهيمنة الإيرانية. ومع تفهم واشنطن لمشاعر الزهو التي جاء بها الخليجيون، فليس سهلاً عليها التسليم بادِّعائهم، أنهم أصحاب فضل على الولايات المتحدة الأميركية: «لقد خاضوا حربهم لوحدهم، وانتصروا. هي حربهم الأولى، وقد ربحوها من دون أن يخسروا جندياً واحداً! ولكن السؤال يتصل بما بعد الحرب: هل «الانتصار» ينهي الحرب على إيران باسم اليمن؟
إنهم أهل حرب، وليسوا في هذه اللحظة أهل نفط فحسب. إنهم مقاتلون (ولو من الجو) كما يشهد الركام الآن في صنعاء وتعز والبيضاء وعدن وخور مكسر والضالع وأبْين وحرض وصعده... ولكن أين يمكن توظيف هذا الانتصار؟ هل انتهت مشكلة الخلل في العلاقة مع إيران؟ وهل صارت السعودية القيادة المطلقة بلا شريك؟ هل يبدل ما حدث فيجعل الخليجيين «حلفاء» لأميركا، لهم حق الشراكة في القرارات التي تتصل بمنطقتهم جميعاً، بقوة حربهم؟ وهل صحيح أنهم قد عوضوا الغياب الأميركي بعد سحب القوات الأميركية من العراق، وأنهم في موقع الهجوم في سوريا بينما واشنطن تتردد في اتخاذ القرار بحسم الوضع؟ من حقهم، إذاً، أن يقفوا كتفاً إلى كتف إلى جانب باراك أوباما. لم يكونوا بحاجة إلى مساعدة أميركية. بل إنهم أرادوها، بقرار واع، حرباً عربية ضد التمدد الإيراني. يمكن اعتبارها حرب الأكثرية ضد الأقلية. فهل انتهت هذه الحرب حقاً؟
بصيغة أخرى: هم يعتبرون أنهم قد وضعوا نقطة النهاية للتمدد الإيراني في المشرق العربي: «الآن ومن موقع المنتصر نستطيع التعامل مع الوجود، بل التدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان. لا حاجة لمصر الآن. هي مشغولة بهمومها الثقيلة فلتتفرغ لها ونحن نساعدها. كنا بحاجة إلى «الموقف» لا إلى الرجال والسلاح. نحن مقاتلون كابراً عن كابر».
لكن المضيف الأميركي لم يظهر حماسة لهذا المنطق.. ووعد بمناقشته لاحقاً وخلال زيارته المنطقة بعد عام!
]]]
لم ينتبه الوفد العربي المذهّب إلى لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، لا خلال العشاء الحلال في البيت الأبيض، ولا خلال المحادثات الرسمية في منتجع كامب ديفيد ان موعد اللقاء يتزامن مع الذكرى الثامنة والستين للنكبة العربية في فلسطين... على أن بعض أصحاب الذاكرة القومية انتبهوا إلى ضرورة الإشارة إلى «القضية المقدسة» فاستدركوا الأمر بإعادة تأكيد المؤكد وهو «ضرورة إقامة دولة فلسطين».
وفي أي حال، فالتغلغل الإيراني في اليمن، وفي هذه اللحظة تحديداً، أخطر على «الأمن القومي» من إسرائيل. وكيف لعرب الجزيرة والخليج ان يهتموا بفلسطين، بأزمتها المعتقة والمعقدة، بينما «العدو الفارسي» عند الباب. وفي أي حال فإسرائيل بعيدة، أما اليمن فهو خلف الباب.
ثم إن تمكين المملكة العربية السعودية، ومعها إمارات الخليج العربي من السيطرة، عبر اليمن، على بحر العرب ومضيق باب المندب يجعل البحر الأحمر بحيرة عربية... ويمكن احتساب هذا الإنجاز في خانة الاستعداد لمعركة الحزم الأخرى في اتجاه فلسطين.
على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما عوّض التقصير، فقال في مقابلة متلفزة خص بها قناة سعودية ما حرفيته: «إننا ملتزمون بأمن إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية»... فماذا يريد المزايدون العرب أكثر من هذا الالتزام بالأمن الموطد فعلياً بالسلاح الأميركي والمفاعل النووي في إسرائيل، يقابله التصريح الرئاسي المتكرر عن «مشروع» إقامة دولة فلسطينية على ما يفيض عن حاجة إسرائيل إلى الأرض، بينما مساحة دولتها «ضيقة» جداً مما يضطرها ـ بمعدل مرة في الشهر تقريباً ـ إلى الاستيلاء على أراض فلسطينية جديدة لإقامة مزيد من المستوطنات...
.. حتى لا تنشب حرب عنصرية بينهم.
]]]
في أي حال فقد عاد ضيوف الرئيس الأميركي من المحادثات معه في كامب ديفيد أقل اطمئناناً، «فالقمة كانت ناجحة تماماً، وقد أكدت واشنطن استمرار دعمها لحلفائها في الخليج». وهذا الكلام مكرر ومعاد، لكن الموقف من إيران ظل ثابتاً: ضرورة التفاهم معها مع تخليها عن مشروعها التوسعي. ولقد أغفل الرئيس الأميركي الإشادة بنصرهم العسكري.. بل لعله كان يفضل تجنب هذه الحرب، التي لم يشر إليها بكلمة.
صحيح أنهم سمعوا منه ما يريح أعصابهم: احترام كبير للملك (الغائب) سلمان، وتنويه بجهود ولي العهد محمد بن نايف في مكافحة الإرهاب، وبشراسة ولي ولي العهد محمد بن سلمان في «عاصفة الحزم»..
لكن هذا لن ينهي عتب الملك الذي غاب لإظهار هذا العتب وعدم حماسة الإدارة الأميركية لعاصفة الحزم أساساً.. مع أنهم سمعوا منه تجديداً للتعهد بمنع إيران من الحصول على «النووي» كما للتعهد بأن «جيوشنا جاهزة، إذا ما تهدد الخطر دول الخليج».
ولأن المشكلات أكثر من أن يحلها اجتماع واحد، فقد تم الاتفاق على عقد اجتماع آخر العام المقبل، وقبل أن ينهي أوباما المدة الثانية والأخيرة في البيت الأبيض.. وفي استراحة كامب ديفيد، حين تدعو الحاجة.
]]]
لا عزاء للضحايا..
في هذه الأثناء، تدفن اليمن جثث أبنائها، وتلملم جراحها في العمران ومنشآتها التي بنيت بالهبات والصدقات والمساعدات المحدودة. ويترقب أهلها أن يعرفوا المصير الذي يراد لهم أن ينتهوا إليه.
وفي الخارج، يفترض العارفون بالتاريخ أن هذه الحرب لن تكون الأخيرة، وأن اليمنيين الذين تحفل يومياتهم بالإساءات التي يوجهها إليهم أخوتهم الأغنياء لن يغفروا لمن دمر مدنهم وقصباتهم استقواءه عليهم بالطيران، فحاربهم من دون ذنب ارتكبوه.
وقديماً قيل: لا بد من صنعاء وإن طال السفر..

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين البيت الأبيض وكامب ديفيد «عاصفة الحزم» إلى الهدوء بين البيت الأبيض وكامب ديفيد «عاصفة الحزم» إلى الهدوء



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon