لبنان  والحرب الظالمة

لبنان .. والحرب الظالمة!

لبنان .. والحرب الظالمة!

 لبنان اليوم -

لبنان  والحرب الظالمة

طلال سلمان


لا يستطيع اللبنانيون، حتى لو أرادوا، أن يلغوا ذاكرتهم فيسقطوا منها التشابه بين مشاهد موجعة لأحداث عاشوها فعلاً طوال الحرب الإسرائيلية على لبنان بعنوان مقاومته المجاهدة خلال شهر القصف والتدمير براً وبحراً وجواً بين 12 تموز و13 آب 2006، ومجريات «عاصفة الحزم» السعودية التي تدك أسباب العمران ووحدة الشعب في اليمن السعيد، بزيوده والشوافع وحاصل التداخل بين الطائفتين الإسلاميتين.
ومع أن اللبنانيين لا يريدون ولا يتقصدون اعتماد هذا التشابه، لأنهم يدركون أن الشعب في المملكة المذهبة هو شعب عربي مسلم تماماً مثل إخوته وأعمامه وخؤولته وأجداده في اليمن، إلا أن الوقائع المأساوية التي تبثها الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي آناء الليل وطوال ساعات النهار تفرض عليه هذا التشابه... خصوصاً وأن وقائع الحرب الإسرائيلية على «بعض» لبنان وضواحي عاصمته لا تختلف كثيراً عما نشاهده الآن على الشاشات ـ وبالألوان ـ سواء أركّزت على تدمير بيوت الفقراء أم نقلت صور الضحايا وفيهم الأطفال والنساء والرجال الذين يتبدّون كالأشباح بسبب سوء التغذية وإدمان مضغ القات، قاتل الشهية وأسباب الصحة.
إنها الحرب الظالمة، مع اختلاف في هوية الظالم، ففي لبنان كان الظالم المتجبر والعاتي هو العدو الإسرائيلي، وبالتالي فقد كان متوقعاً منه أن يلجأ إلى كل ما يملك من أسباب القوة وطاقة التدمير لإلحاق الهزيمة بأهل البلاد جميعاً تأديباً لهم على احتضانهم مقاوميهم المجاهدين الذين افتدوا الأرض بدمائهم مراراً... في حين أن الظالم في اليمن هو الأخ الشقيق الذي لا تحجب ثروته الفلكية وأسباب التدمير والقتل الجماعي التي يستخدمها الآن بلا حساب، حقيقة أخوّته وثباتها عبر التاريخ.
ولأنها حرب ظالمة على أخ شقيق هو البطل التاريخي للفتح الإسلامي (للتذكير: تشهد وقائع التاريخ أن فتح الأندلس قد تمّ بعمامة مقاتل يمني بعد سقوط الراية نتيجة احتدام المعارك في نقطة العبور، واضطراب صفوف المسلمين بسبب دوار البحر وجهلهم بطبيعة الأرض..).
... لأنها حرب ظالمة، فقد كان بديهياً أن يقف الناس عموماً إلى جانب «الضحية»، وهو الشعب اليمني، بغض النظر عن معرفتهم أو جهلهم بأنساب اليمنيين وأعراقهم، وأيهم «الزيود» وأيهم «الشوافع»، ومن هم «الحوثيون» وموقعهم من السلطة عبر التاريخ.
وهي بالتأكيد حرب ظالمة بشهادة الفارق في أسباب القوة بين السعودية التي تقصف أسباب العمران من الجو بقذائف هائلة التدمير يبلغ سعر الواحدة منها أكثر من مئة ألف دولار، عدا تكاليف الرحلة التدريبية للطيارين الحربيين الذين لا يهتمون كثيراً ولا هم يدققون في طبيعة الأهداف التي يقصفون (ملاحظة: في أبسط تقدير فإن رحلة القاذفة الواحدة مع الصواريخ التي تطلقها على أهداف تقديرية تكلف أكثر من مليون دولار... علماً أن المعدل اليومي للغارات كثيراً ما تجاوز المئة غارة في النهار الواحد..)، هذا بمعزل عن الأكلاف اليومية لحالة الاستنفار التي تشمل، إلى الطيران، وحدات مقاتلة على طول الحدود السعودية اليمنية، يقف في مراكز محددة منها طوابير من الجنود خلف مدفعيتهم أو صواريخهم باهظة الثمن، في حالة استعداد لصد هجوم محتمل ـ ولو بالتوهم ـ وربما استعداداً لهجوم بري في يوم مقبل.
هذا قبل الحديث عن طبيعة النظام السعودي وسياساته وممارساته في الداخل وفي المحيط الذي جعله «إسلامياً»، رفضاً منه لدعوة العروبة التي يعود اليوم للتحدث بلغتها تجاوزاً وتمويهاً لأطماعه المعروفة في اليمن ـ خاصة ـ والتي احتلت قوات الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود بعضها، وكانت بقيادة ابنه الأمير (الملك الراحل) فيصل بن عبد العزيز، في الثلاثينيات من القرن الماضي.
أما بعد هذا الحديث فيمكن طرح بعض الأسئلة الساذجة ومنها:
÷ ماذا لو أن هذه الحملة العسكرية بالصواريخ المدمرة والحارقة توجهت، مثلاً، نحو فلسطين التي تفتقد هذه الأيام النصير، والتي يعيش شعبها حياة بؤس إضافة إلى إذلال العدو الإسرائيلي على مدار الساعة..
أو لو أن نفقاتها مُنحت لشعب فلسطين، فقط ليبقى صامداً في أرضه؟
÷ أو ماذا لو أن تكاليف هذه الحملة قدمت كهبة أو مساعدة إلى شعب اليمن.. ألم تكن حققت أهدافاً أسمى وأنبل من أن تُصرف على قصف منشآته العسكرية والمدنية وتدمير المؤسسات الحكومية، فضلاً عن بيوت الفقراء التي تنبت في صخور الجبال، ويعيش أهلها حالة خوف دائم من الطبيعة كما من «الخصوم» المتربصين بهم ـ في أوهامهم ـ لأسباب تتصل بالمعاش أو بالثأر أو بالفقر الذي «لو كان رجلاً لخرجت إليه أقاتله فأقتله»؟
لكل هذه الأسباب، ومع تجاوز لطبيعة النظام القائم في السعودية وطبيعة اللانظام المتهالك بل المنهار في اليمن حتى من قبل «عاصفة الحزم»، التي تستذكر أرجوزة نظمها الملك المؤسس للسعودية عبد العزيز آل سعود خلال الحرب الأولى على اليمن، وقف الجمهور العريض من بسطاء العرب في مختلف أقطارهم مع الضحية... مع أن هذا الموقف لا يأتي بالشرهات ولا يبني زعامات وهمية على حساب دماء الأبرياء!
حروب الأغنياء على الفقراء ترف، فكيف وهي تدمر دولتهم قيد الإنشاء؟
... وهي حروب تكاد الهزيمة فيها أن تكون أشرف من النصر، في أي حال!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان  والحرب الظالمة لبنان  والحرب الظالمة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon