ميشال إده رجل يعتز به لبنان

ميشال إده: رجل يعتز به لبنان

ميشال إده: رجل يعتز به لبنان

 لبنان اليوم -

ميشال إده رجل يعتز به لبنان

بقلم : طلال سلمان

ليس كمثل ميشال إده أحد، لا بين السياسيين وقد تميز عنهم بالصدق والثقافة ويقظة الضمير ونبذ التعصب ونظافة الكف، ولا بين أهل القانون وقد اتخذه مدخلاً إلى الحق والعدل ولم يجعله وسيلة لتزوير الصح، ولا بين أهل الإيمان الذي أخذه إلى الله الواحد الأحد فلم تكن طائفته سجناً لعقله أو لقلبه يبعده عن سائر المؤمنين.
ولقد نجح ميشال إده الذي ربّاه والده سليم إده بصرامة الأب الصالح وعامله كرجل وهو فتى غض الإهاب، فاحتل مكانة مميزة حيثما توجه: في مجال الأعمال. كما في رحاب القانون.. وجاب الآفاق انطلاقاً من لبنان إلى أفريقيا فإلى أوروبا فإلى أميركا، فبنى صداقات واخترق مجالات صعبة، بصمت ومن غير تباهٍ.
ولقد اقترب ميشال إده من السياسة من دون أن يحترفها... وكان صديقاً وقريباً من العديد من الرؤساء ولكنه لم يطلب من أحدهم شيئاً، حتى استدعاه الرئيس الراحل الياس سركيس فوزّره، وقد ساهم في محاولة صياغة حل لأزمة بنك انترا التي كادت تطيح الاقتصاد اللبناني جميعاً... ثم اختاره الرئيس الراحل رفيق الحريري ليكون وزيراً في ثلاث من الحكومات التي شكّلها في التسعينيات.
هو، من دون مبالغة أحد أعرف العرب عموماً بواقع الحركة الصهيونية وتاريخها وتقسيماتها السياسية والاجتماعية والعسكرية... ولقد حاول جهده تعميم المعرفة بهذه الحركة ومشروعها الاستيطاني الإرهابي على حساب شعب فلسطين (وسائر العرب)، فقصد منتديات دولية محاضراً، وكتب ونشر وأذاع جملة من الدراسات الجادة المستندة إلى وثائق لا تدحض عن هذا الاستعمار المقنّع بالدين والاحتلال المموّه بأساطير تاريخية لا وجود لها في التاريخ... ولقد تجاوز بجهده هذا لبنان إلى سوريا وإلى أوروبا وبعض مصر فكتب ونشر وقدّم برامج إذاعية تُظهر حقيقة الصهيونية كحركة عنصرية ـ استيطانية تزوّر التاريخ وتقتل أهله، وتدّعي مُلكاً في أرض لم يعرفها دعاتها وكانت على امتداد الزمن لأهلها الذين ظلوا أهلها حتى اقتلعتهم منها القوة الاستعمارية العاتية.
في ضوء إيمانه هذا صكَّ شعاره المعروف: مقاومة صهينة لبنان والوصول إلى لبننة إسرائيل.
ولقد حذّر من هدم المسجد الأقصى ودعا إلى خطط عربية لإنقاذه... مؤكداً «أن إسرائيل تريد «سايكس ـ بيكو» صهيونية، وهذه شرارة لحرب عالمية ثالثة».. خصوصاً وأن القادة الصهاينة يفكرون بتطهير عرقي تدريجي على طريق القمع وحرمان الفلسطينيين من مقومات الحياة. وإسرائيل تخطط للتوطين وسط تواطؤ دولي وصمت عربي مريب».
..وفي تعليق على ممارسات جنرال الحرب الإسرائيلي أرييل شارون قال ميشال إده: «إنه يطلق رصاصة رحمة على خريطة الطريق»... وقد كان.
وكتب في مقال طويل ما مفاده: إسرائيل سائرة إلى المجهول والانهيار.. وطريقنا في لبنان وسوريا واضح وهو الصمود في مواجهة الاستراتيجية الهادفة إلى فرض الاستسلام على العرب جميعاً.. والانتفاضة الفلسطينية سوف تفرض تبدلاً نوعياً لدى الإسرائيليين في اتجاه الانتقال إلى جادة العقلانية وإقرارهم بوجوب تخلي إسرائيل عن الحل العنصري الصهيوني التوسعي العدواني..».
وفي محاضرة عن ميشال شيحا قال: أثبتت الوقائع أن نفوذ اللوبي الصهيوني يتسبب إلى حد بعيد بتعطيل الدور البنّاء الذي كان على الولايات المتحدة أن تؤديه».
ذلك أنه كان يعتبر «التركيبة اللبنانية مثالية، بينما إسرائيل مبنية على عنصرية غير مقبولة» منبهاً إلى أن هذا العدو يتعامل مع الطوائف وليس مع لبنان ككيان ويريد تعميم ذلك على سوريا والأردن والعراق وفلسطين».
من هنا كان تأييده للانتفاضة الفلسطينية التي وجهت ضربة قوية سياسياً قاتلة لإسرائيل، وأعلن رأيه: مشروع التوطين هو مشروع إسرائيلي وليس مشروعاً فلسطينياً».
ولأن ميشال إده قارئ مميز، بثقافة رفيعة وتجربــة غنــية، فقد انخرط في المجال الصحافي وساهم في الصحــيفة العريقة «لوريان» وكان بين من عمل لدمجها مع «لو جور» لكي تبــقى في لبــنان هــذه الصحيفة الناطقة بالفرنسية التي احتفلت قبل سنتين بعيدها التسعين.
كان معجباً بالدور الاستثنائي الذي لعبه المفكر المميز ميشال شيحا (الذي تربطه به صلة نسب) والذي «خاطبنا في حياته ويخاطبنا بعد موته، وفي وداعه لنا أوصانا بالقدس».
وقد رأى في رفع شعار إلغاء الطائفية السياسية ملهاة.. واعتبر الصيغة اللبنانية رداً حياً على الترويج الخبيث لصراع الحضارات.
إن ميشال إده أرحب فكراً وممارسة من هذا كله:
إنه رأس عائلة مميزة بتفوق أبــنائها جميعاً علماً وكفاءة، والنجل الأكبر سليم قدّم للبنان متحفاً فريداً في بابه، احتضنته الجامعة اليسوعية، يقصده الطلاب وأهل العلم ليفــيدوا من معروضــاته العلمية التي تؤكد قدرة العقل الإنساني على بناء مستقبل أفضل للإنسان.
وعند حديث العائلة يطل ميشال إده العاطفي والحنون، لا سيما متى استذكر الأحفاد، وتحس أنه قد رسم لهم ضمناً مستقبلهم وأنهم على طريق تنفيذ مخططه وإن لم يطلعهم عليه مسبقاً.
ثم إن ميشال إده الإنسان ينفق الكثير من ماله على الجمعيات والمؤسسات الخيرية من دون توقف أمام الانتماء الطائفي والمذهبي.. وبالتأكيد فإن مئات من المتخرجين بتخصصات علمية متقدمة يحملون التقدير الخاص لهذا الرجل النبيل الذي وفر لهم المنح والمساعدة من دون منة أو تباهٍ.
أما ميشال إده الإنسان فهو طريف يضحك للنكتة ولو كانت عليه، وهو صديق صدوق، محب للناس، يكره النفاق والمنافقين، ولا يداري في الجهر بموقفه السياسي، وقد كان مع المقاومة التي جاهدت لتحرير الأرض المحتلة، وشارك في احتفالاتها بالنصر، وما زال على صلة ثابتة برجالاتها.
إنه نموذج فريد في بابه: إنه مسيحي يتمثل بالرسل لا بالكهنة، ولهذا لم يعرف التعصب حتى عندما اختير لرئاسة الرابطة المارونية، ثم عندما اختارته البطريركية لترؤس جمعية الانتشار الماروني.
ولقد نشأ، وهو البورجــوازي العريق، يسارياً، وكثيراً ما قدم المساعدات إلى المنظمات اليسارية، وشارك في أنشطتها.
ميشال إده يكاد يكون نسيج ذاته: إنه ابن عائلة عريقة، ويجمعه النسب بأبرز العائلات البورجوازية، ولكنه متفرد في موقفه الفكري وفي ثقافته الواسعة كما في آرائه السياسية، وكذلك في علاقاته الإنسانية.
وبالتأكيد فإن مئات من الطلاب ومن مختلف الطوائف الذين تمكنوا من إكمال دراساتهم العليا يحفظون له الجميل، إذ لولاه لما تمكنوا من دخول الجامعات الممتازة في لبنان والخارج.
ميشال إده: رجل يعتز به لبنان.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميشال إده رجل يعتز به لبنان ميشال إده رجل يعتز به لبنان



GMT 18:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 18:50 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 18:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 18:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 18:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 18:38 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 18:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:53 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 لبنان اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 لبنان اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 06:42 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"
 لبنان اليوم - وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 01:05 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

تعلم لغة ثانية يعزز المرونة المعرفية لأطفال التوحد

GMT 12:35 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

"تي باو" تطلق اللاب توب Tbook X11 الجديد

GMT 08:03 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

جنوب سوريا شبيه لجنوب لبنان

GMT 12:33 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم ننعى إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon