طلال سلمان
وماذا قدم أنطوان حرب للثقافة لكي نعتبره فقيدها؟.. فلا هو بشاعر ساحر بأخيلته، ولا هو بروائي مبدع، ولا برسام روحه في ريشته، لا هو مسرحي يعيد خلق البشر عبر مواقفهم.. ثم انه ليس بكاتب سياسي يعرف أسرار الدول فينتظر الملايين نصه الذي يقرر لهم خريطة الطريق إلى مستقبلهم؟
وماذا في أن يحول «الخربة» إلى قصر للثقافة وأهلها، وأن يفتح هذا القصر الذي كان محظوراً دخوله على «العامة»، أقفاله في أيدي «الخاصة»، وجمهوره من «الكبار» الذين جعلوا استخدامه امتيازاً لأصحاب الألقاب وليس لأصحاب الوجوه التي يجللها العرق ويجعلها مباركة؟
وماذا في أن تضج جنبات القصر بقصائد محمود درويش يغنيها الناس الذين تعنيهم وتستنفر وطنيتهم فتثبت أن الشعر هو لغة وجدان الناس..
وماذا لو اختفى هذا «الموظف» الذي أربك الإدارات جميعاً بفوضاه المموهة بخدمة ثقافة الشعب، والذي يمكن تعويضه بألف أكثر انضباطاً بالدوام، وأكثر التزاماً بالأصول، فيعيدون للقصر أبهته وجلاله؟
ماذا أنجز أنطوان حرب مما لا يمكن لغيره أن ينجزه؟!
شغل القاعات جميعاً، على مدار أيام السنة، بمعارض الفنانين، من ترسّخت مكانته بالإبداع، ومن يقتحم المجال بموهبته البكر، وبحفلات توقيع الكتب التي فيها بعض الحقائق عن التاريخ السري لهذا الوطن الصغير، وبعروض لصور المميزين من المصورين، ولمؤتمرات الطامحين إلى التغيير ممن يضيفون إلى القصر دوراً في النضال الشعبي.
أنطوان حرب: أيها المقاتل الفريد ضد البيروقراطية والفئوية وأصحاب الامتيازات وسماجة الرسميات والألقاب الأكبر من حامليها..
أيها الإنسان الذي تطربه موسيقى القصيدة ويسحره الصوت الشجي واللحن المنشي والنص الأدبي البكر، فأعطيت هؤلاء جميعاً المساحة وحق القول.
أيها الذي أدخلت الابتسامة وفرح الإنجاز إلى قصر كان يكلله التجهم فيمنع مرور المبدعين من أمامه، فكيف بدخوله والعرض فيه؟ ولقد جمعت من حولك نخبة من أهل المسرح والممثلين المحرومين من فرصة إبراز مواهبهم فصرت أهم من الوزارات والإدارات التي تصادر اسم الثقافة ورعاية أهلها..
أنطوان حرب: لماذا غادرتنا في لحظة ميلاد «المخلص»، وكنا معك على موعد مفتوح مع الفرح بعرق المبدعين من الناس؟
... ولكننا كنا معك على موعد مع ربيع تنورين التي كانت قلعة للمناضلين من أجل حقوقهم في أرضها فكادوا يصادرون دورها بتزوير تاريخها..
أنطوان حرب: ستظل ابتسامتك تشع في وجداننا مقدمة صورتك كصاحب رسالة وضع نفسه في خدمة الإبداع، رسماً ونحتاً، غناء وموسيقى، رواية وشعراً ومذكرات سياسية وتجارب مسرحية وكل ما يبهج الروح.
أنطوان حرب: أنت باقٍ معنا. وسنحتفل بك مع كل ميلاد.