طلال سلمان
قُضيَ الأمر، وصار الأمر في لبنان، بدءاً من منتصف ليل الأحد/ الاثنين في 13 أيار 2013، للأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
قد يرى بعض الذين طالما تغنوا اعتزازاً بالسيادة والاستقلال والقرار الحر في هذا التطور التاريخي ارتفاعاً في مكانة لبنان إلى السماء السابعة، التي طالما جاب آفاقها الأمير ـ الطيار (الحربي)، وشموخاً في كرامة هذا المخلوق اللبناني الفذ وفي عزته وإنفته واستعصائه على التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية.
وقد يتناسى البعض الآخر أن لبنان بلا داخل، وأن دولته قد تتوسع مساحة وقد تضيق لكن نظامه الفريد «كوني»: لكل دولة قوية نصيب فيه، فمتى ضعفت قوتها ذهبت ريحها... من هنا إن «مواطنه» لا يجد مكاناً أو مكانة له فيه.
ما الفرق بين فرنسا متى ضعفت وبين سوريا إذا ما توفرت لها أسباب القوة ذاتياً، أو بفعل الظروف التي تجعلها «المركز» في زمن ما؟!
وما الفرق بين قاهرة جمال عبد الناصر متى كانت قادرة على مخاصمة أميركا ورفض أحلافها، وبين واشنطن إذا استدعاها الفراغ في مكان دولة الرعاية منفردة أو بالاشتراك مع سوريا؟!
ثم ما الفرق بين دمشق منفردة أو دمشق بالاشتراك مع الرياض، ولو في شراكة ضيزى تضمن غزارة في الإنتاج وعدالة في التوزيع؟!
إن لبنان كان طوال تاريخه، بل منذ ما قبل التاريخ، وسيبقى إلى أبد الآبدين سيداً، مستقلاً، حراً، ولو ملأت أرضه قوات المقاومة الفلسطينية، أو القوات الإسرائيلية، أو قوات التحالف الدولي، أو قوات الردع العربية، أو القوات السورية منفردة.
الشطارة اللبنانية كفيلة بحل الإشكالات جميعاً: تنافق السوري، تداهن الفلسطيني، توالي الأميركي، تغمز للإسرائيلي بما معناه: أنا منهم، لكنني لست معهم! وتستثمر الرعاية التاريخية للفرنسي بدغدغة غروره مع كأس من النبيذ الفاخر؟!
ها أن أهل النظام الفريد يستعدون ـ وبعد نضال طويل ـ لمرحلة نقل البندقية من كتف إلى كتف وتبديل اللغة الشامية ذات القافات المقعرة بلغة أهل الرياض ذات التعطيش المنعش للقاف، لمواجهة خطر الاجتياح الإيراني الداهم، بعد أن «دفعت طهران المعلوم»، وثبت أنها لا تستطيع الاستمرار في المزاد العلني المفتوح بالملايين من براميل النفط المنتج يومياً في أرض الذهب الأسود والصمت الأبيض.
هي مرحلة جديدة يدخلها لبنان وهو ـ تقريباً ـ بلا دولة!
فالمجلس النيابي معلّق على حبل من مشاريع الانتخابات تتراوح بين أن تكون منصات إعدام للديموقراطية أو مسلخاً للوطنية، تمهيداً لإقرار قانون جديد في يوم، في شهر، في سنة... فالزمن ليس مهماً في مجال التعبير عن الإرادة الشعبية!
... ثم أن الأسر المالكة لا تحب كلمات من نوع «الديموقراطية» و«الانتخابات» و«الإرادة الشعبية»، وتفضل كلمات أرقى مثل «البيعة» و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، حتى لو كان «المطاوعة» لا يعرفون من شرع الله إلا وضع الحد على من قرأ فوعى، ودرس فعرف، وآمن فاهتدى... والله يهدي من يشاء.
أبشروا أيها المواطنون الكونيون في لبنان الذي أوسع من الكون: ها هي قوافل الديموقراطية تجيء محمّلة بالخير والدساتير وكتب الحكمة والشرائع المعبّرة عن الإرادة الشعبية.
لا يهم أن تكون الخزينة فارغة. لا يهم أن تكون الدولة قد غدت اسماً بلا مسمى. لا يهم أن الجيش بات بلا مجلس عسكري. لا يهم أن النار السورية تلفح لبنان، وقد زادها اشتعالاً أن قوافل رفاق المطاوعة من «المجاهدين» قد عبروا منه وما زالوا يعبرون منذ عامين، وأن قوافل أخرى من المقاتلين قد ذهبت مؤخراً تحمي أهلها اللبنانيين في الأرض السورية المتداخلة حدودها مع لبنان البلا داخل.
المهم أن لبنان قد نال أخيراً شرف أن يرعاه أمير ابن أمير ابن ملك. والملك لله من قبلُ ومن بعد.
نقلاً عن جريدة "السفير"