طلال سلمان
...ولكنك كنت وعدت بالا تموت إلا من أجل العراق وفيه.. يا سيد!
...وكنا نعرفك صادقاً، ونحسب انك بإرادتك ووطنيتك وعروبتك أقوى من المرض، وأعظم مناعة من ان ترحل بغير وداع.
لقد عشت طريدا، تمشي فوق العروض المغرية بأن ترتاح وتريح. ولطالما رفضت العودة بشروط: من ذا الذي يدعي انه يملك ان يمنع مواطنا من وطنه، او يمنع الوطن من ان يحتضن أبناءه!
عشت قويا بإيمانك، وأنت مطارد.. عرفت عواصم النضال العربي مناضلاً و«لاجئا سياسيا»، وظللت بعيداً عن أصحاب السلطة، ومن هنا كان اللقاء مع المناضل الكبير الراحل، عصمت سيف الدولة.
كنت تقرأ وتتابع التطورات. تلتقي «اللاجئين السياسيين» وترفض صراعاتهم التي لا يفيد منها إلا أهل الطغيان.
ولقد عرفتك في القاهرة، قبل دهر، مع رفيق صباك والمطرود من وطنه حسين الحلاق. كما عرفتك «ضيفا» على دمشق، ومقيما في قلب اللجوء في بيروت.
وعرفتك في صورة مخالفة للصورة النمطية عن العراقي: تضحك للنكتة وتصنعها، وتعيد صوغها لتصير أكثر ظرفا. تحتفظ بهدوئك في وجه يحاول استفزازك. تناقش من داخل إيمانك بحرية الرأي، تحاول ان تقنع بالحجة والمنطق.
كنت متقدماً على «الرفاق»، سابقا إلى الإيمان بالديموقراطية، نابذاً التعصب الفكري والتمييز العنصري، مؤمنا بعروبة تتسع لكل الأعراق والعناصر الأخرى في الوطن العربي.
لكنه القدر.. وهكذا جاء أخوك أحمد الحبوبي من القاهرة ليأخذك من بيروت إلى العراق في رحلتك الأخيرة، وكنت أنت الدليل والمرشد والناصح لمن يطلب العراق ويريد الوصول إليه.
وداعاً أيها الإنسان الشهم الذي أضاف إلى صورة المناضل شيئاً من الكبرياء، وخفف شيئاً من الادعاء.