علي الامين
المؤيدون لالغاء الطائفية السياسية ثم الارثذوكسي ينطلقون من خلفية الغلبة
تلاشي عصبية الانقسام الاذاري مع التحول السوري وتبلور مشروع الخوف الاقلوي
يكشف مشروع اللقاء الارثذوكسي لقانون الانتخابات النيابية، بما يحدثه من سجال على المستوى الوطني، ان لبنان دخل في مرحلة مفصلية سيتحدد من خلالها ليس نتائج الانتخابات النيابية فحسب، بل طبيعة النظام السياسي في ظل المتغير السوري وبداية الاقرار بحتمية سقوط النظام السوري. ولعل اتفاق القوى المسيحية المنظمة، سواء في المعارضة او في الحكومة، على تبني"المشروع الارثذوكسي" يعبر عن استجابة هذه القوى للوعي الجمعي المسيحي والاقلوي في لبنان عموماً، ازاء تداعيات ما بعد الاسد. هذا في ظل الضبابية التي تحيط بالتحول السوري، لجهة عدم وجود بديل واضح للنظام الاستبدادي، مع خوف مشروع من صعود الاسلاموية السنية بتطلعاتها الايديولوجية، عززه تورط النظام الاقلوي في سورية بارتكابات اثارت مخاوف جدية من ردود فعل سلبية على الاقليات في سورية ولبنان. سواء بسبب دعم الاقليات المتفاوت لهذا النظام او انكفائها عن انتقاد جرائمه.
هذا الانقسام المستجد يؤشر الى بدء تلاشي العصبية التي قامت مع الانسحاب السوري من لبنان بين قوى 8 اذار وقوى 14 اذار، واستمرت بقوة الشرخ على الموقف من "سورية الاسد" وليس على مشروع الدولة الذي بقي هامشيا لدى الطرفين ازاء الموضوع السوري. وموقف حزبي الكتائب والقوات اللبنانية من قانون الانتخاب هو اعلان جدي لبدء فرط عقد 14 اذار بسبب المعطى الاساس في هذه العصبية، اي التحول السوري.
بهذا المعنى لا يجد تيار المستقبل، الذي رفض النظام النسبي انطلاقا من حسابات انتخابية وليس من حسابات مبدئية، مسوغا لقبوله بمشروع اللقاء الارثذوكسي لحسابات انتخابية وليس مبدئية. فمع نظام سياسي ثقله سني في سورية ايا كانت هذه السنية، ليس مضطرا ان يقدم الحسابات الطائفية اوالمذهبية في اي قانون انتخاب، خصوصا ان الطائفة السنية شكلت منذ الميثاق الوطني نقطة ارتكاز وسطى في النظام السياسي تلتقي عليها مختلف الاطراف، فيما المتغير السوري اليوم يسجل لصالحها ويعفيها من البحث عن مكتسبات هي متاوفرة لديها اصلاً. خصوصا ان الرابط السوري-اللبناني هو قدر جغرافي وتاريخي مهما كانت التحولات وان اختلفت الوسائل والاساليب. هكذا يبقى لبنان مدى حيويا لسورية.
الفريق الشيعي ربما باغت الجميع بموافقته على مشروع اللقاء الارثذوكسي، وتبين بوضوح ان طرح الغاء الطائفية السياسية وتبنيه طيلة العقود الماضية من فريقيه، هو المعادل الموضوعي للمشروع الارثذوكسي، فسهولة تبني الاخير اظهرت ان معايير الموقف من الغاء الطائفية السياسية كانت تنطلق من خلفية الغلبة العددية المذهبية او الطائفية، كما هو الحال اليوم. فالانكفاء الى "الارثذوكسي"، وان كان تبنيه اقل طائفية لدى الفريق الشيعي قياسا للمسيحي، بمحاولة الايحاء بأنه موقف اساسه التضامن مع العماد ميشال عون او المسيحيين، الا انه موقف لا يمكن عزله عن بداية تفكير جمعي شيعي في مواجهة المد السني القادم، في ظل تورط حزب الله مع النظام السوري، وتداعيات الاثمان عليه وعلى الشيعة عموما.
ولأن حزب الله لا يزال يفتقد إلى مشروع وطني يسير على هديه، مشروع لبناني اساسه نهائية الكيان ومرجعية الدولة، التي تقوم على انتفاء وجود مرجعيتين لسلطة احتكار القوة المسلحة، ليس لديه خيار الا التلحف بالغطاء الشيعي، ما دام لم يطرأ على تفكيره اي تحول بنيوي اتجاه مفهوم الدولة فكريا وثقافيا وسياسيا. مع الاشارة الى ان الرئيس نبيه بري ليس من صالحه ان يكون حزب الله خصمه القادر على ابتلاعه نهائيا وديمقراطيا لحظة اقرار القانون الارثوذوكسي. لذا فان الرئيس بري لا يمكن ان يسير في تأييده الى النهاية.
الشيعية السياسية بهذا المعنى تغازل المارونية السياسية القائمة على حقوق الاقليات، وتتبنى ثقافتها ومضامينها وصولا الى تبني الفيدرالية التي يبدو انها بدأت تطل برأسها مجددا. وسيجد حزب الله نفسه مؤثرا في تحريك الخوف الاقلوي ومستثمرا له من خلال عملية سياسية استثمارية لحالة الخوف، بمجرد ان دخل في منطق وطريق المشروع الارثذوكسي ومباركته. وسيبحث عن مسوغ لموقفه ليس موجودا الا في مشروع حلف الاقليات. وهذه الانعطافة ستفرض خطابا اقلويا، ما يطرح السؤال بقوة حول خيار الممانعة برمته، ومشروع المقاومة وكيفية تسويغهما في منظومته السياسية الاقلوية.
نقلاً عن جريدة "البلد"