علي الأمين
ثمة ألف مبرر لمن هم خارج السلطة الحاكمة في لبنان للنزول الى الشارع في وجه السلطة. فحجم الاستهانة بحقوق المواطنين اكثر مما يحتمل. وهذه السلطة هي المسؤولة من دون استثناء، هي المسؤولة عن ملف النفايات وتفاقمه، هي المسؤولة عن عدم اقرار سلسلة الرتب والرواتب، وهي المسؤولة عن مافيا الكهرباء وهي صانعة أزمتها. والسؤال هو: كيف لا يخرج الناس ضد هذه السلطة؟ وليس: لماذا يخرجون؟
ثمة دعوة من حملة "طلعت ريحتكم" للنزول الى الشارع السبت المقبل. وثمة دعوات متتالية لحملات حقوقية ومدنية للنزول الى ساحة رياض الصلح، تكشف كلها عن حال الضيق الذي يعيشه اللبنانيون من الاستخفاف بهم ومحاولة مصادرتهم بسلاح المذهبية والطائفية وبسلاح الفوضى التي تستخدمها القوى المشاركة في الحكم من اجل تناتش الدولة وصلاحياتها.
ليس خفيا ان السلاح غير الشرعي في لبنان يحيا باسم المذهبية ويقوى بمزيد من اضعاف الدولة. والمرافىء العامة تحولت الى دكاكين للفساد بقوة اللاشرعية وبفعالية المحاصصة التي تزيد من نفوذ المذهبية والطائفية. فيما المحاسبة تقع على كاهل من لا حامي له من مصادري الطوائف.
اللبنانيون مدعوون الى النزول الى الشارع، المتضررون منهم تحديدا، وهم الغالبية العظمى، وهم في الوقت نفسه مدعوون الى تحميل الحكومة والسلطة مسؤولية ما آلت اليه اوضاع البلد، خصوصاً ان من يشاركون في هذه السلطة يتقاسمون الدولة حصصا بينهم.
هذه السلطة التي تتقاسم الدولة لمآربها الخاصة، منتهكة سيادة الدستور والقانون، بدأت بالتسلل الى اوجاع الناس ومحاولة مصادرتها. فالذين خرجوا من اجتماع مجلس الوزراء امس لم يخرجوا بسبب فضيحة التلزيمات التي كشفت كيف تتم المحاصصة بين المتنفذين فيها، بل لأسباب اخرى يرونها اهم من الفساد والافساد واهم من ابقاء موقع رئاسة الجمهورية شاغرا لعام وثلاثة اشهر. وهذه الاسباب ايضا هي اهم من السلاح غير الشرعي، ومن الجزر الأمنية التي تنتهك سيادة البلد، واهم بكثير من توريط لبنان في الحرب السورية.
حملة طلعت ريحتكم ليست معنية بالانقسام السياسي المذهبي والطائفي العقيم في البلد، ولاهي معنية بالاصطفاف السياسي المبني على حسابات سياسية اقليمية وطائفية. هي معنية بحماية الجمهورية من كل خارج على شرط الدولة والدستور والقانون. وبالتالي هي صوت المواطن في مواجهة كل مصادرة من ايّ فئة اتت. وكما أنّ قضية النفايات هي عنوان صارخ للفساد والافساد من نفايات النبطية الى نفايات عكار وما بينهما، فإن شرط الحراك المدني الجاري ونجاحه هو في قدرته على منع احزاب السلطة من التسلل اليه ومحاولة تجويفه وجرّه نحو مساحات طائفية ومذهبية او الى الانقسام السياسي بين 8 و14 آذار.
وإذا كانت حملة طلعت ريحتكم حققت انجازا كبيرا يسجل لها في التعبير عن وجع لبناني عام، فهي معنية بأن تحافظ على استقلالية هذا التحرك وعدم جرّه الى مهالك الطائفية والسياسات الضيقة والعبثية، وبالتالي منع أي محاولة لاحداث شرخ في الثقة التي نشأت بين هذا الحراك المدني وبين الجمهور الذي تعاطف معه واستجاب لدعوته. من هنا فإن التصويب على مطالب محقة وقابلة للتنفيذ، وتستجيب لتعزيز قاعدة مدنية في خضم التناتش الطائفي، هي مهمة ملحة. ذلك ان محاولة استغلال هذا التحرك من قبل الاحزاب الطائفية في السلطة وتجييرها لحساباتها لهو خطر موضوعي، يتطلب التأكيد على ان احزاب السلطة، اي تلك المشاركة في الحكومة، هي خصم هذا التحرك، وبالتالي لايمكن التمييز بين حزب وآخر في هذا التحرك. هذا باعتبار ان مجلس الوزراء متضامن في المسؤولية تجاه المواطنين، ومن يعتبر انه غير مسؤول عن السياسات الحكومية يمكنه ان يخرج من الحكومة وينضم الى صفّ المتظاهرين.
إسقاط النظام بالمعنى السياسي والعملي شعار اما هو غبي او خبيث، لأنه شعار لا يمكن لقوى المجتمع المدني ان تتحمل نتائجه فيما لو سقط النظام. فهل من بدائل قابلة للتحقق؟ قوى المجتمع المدني عاجزة عن تبني مشروع قانون انتخاب، فكيف ببناء نظام جديد؟ وتكبير الشعارات غير مفيد، لأنه سيمهد لحالة خيبة واحباط بسبب عدم وجود قوى قادرة على السير فيه الى النهاية. ومن هنا فإن هناك احتمالا ان يكون من يرفع هذا الشعار يريد لهذا التحرك المدني ان يفشل. وبالتالي الدفع للعودة الى الاصطفاف مجددا خلف هذا الحزب الطائفي او ذاك.
التحرك المدني الذي تقوده حملة طلعت ريحتكم ليس نهاية المطاف، بل هو مؤشر على تطور في عمل مؤسسات المجتمع المدني. لكنه امام تحدي تحقيق انجاز بدل السقوط في خيبة جديدة. هذا التحرك معني بأن يمنع التسلل الحزبي من السلطة اليه، معني بأن يضع حدودا بينه وبين احزاب السلطة... وإذا لم يبادر إلى وضع هذه المسافة سيجد نفسه ورقة تباع بأبخس الأثمان حين تجلس الاحزاب باسم طوائفها على طاولة التسويات.. وهي اليوم تحاول تحسين شروطها في هذه التسوية ليس أكثر.