علي الأمين
في الظاهر ليس ثمة ما يشير الى ان انتخابات الرئاسة في لبنان قريبة. فالحكومة تستعد لانطلاقتها في مرحلة الشغور الرئاسي، والرئيس تمام سلام بذل جهداً في هذا السبيل، وانجز تفاهما مع مختلف القوى داخل الحكومة عنوانها "التفهم والتفاهم". اي ليس من قرارات او مراسيم ستصدر دون ان تحظى بإجماع او باكثرية معتبرة في الحكومة. إذ يعمل الرئيس سلام على قاعدة "إعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا"...هذا هو حال حكومته اليوم. والحكومة باقية ما دامت الرئاسة شاغرة.
كما ليس في الافق ما يدفع الى الجزم ان الحكومة راحلة في وقت قريب، لكن تطور الوضع الامني في البلاد اعاد طرح موضوع انتخاب رئيس مجددا، انطلاقا من ربط بين مواجهة التسرب الارهابي نحو لبنان من جهة، وضرورة استكمال عقد الدولة بانتخاب الرئيس من جهة ثانية. هذا الربط بدأت دوائر دبلوماسية غربية التأكيد عليه، في سياق محاولة تحصين الساحة الداخلية اللبنانية وحماية الاستقرار وترسيخه، لا سيما ان هذه الدوائر ترى ان مسار الاحداث الاقليمية سيزيد من اثقاله على البنيان اللبناني، بما يهدد الوضع الداخلي بمسارات ليس من السهل التكهن بها.
ليس جديدا تكرار الدعوات الدبلوماسية الاميركية والاوروبية الى انتخاب الرئيس، لكن المستجد هو اشارة بعضها الى استعدادات لبنانية اليوم لانتخاب الرئيس اكثر من السابق. استعدادات لدى الفريق المقاطع، اي 8 آذار. ومرد هذا التبدل في النظرة الى الاستحقاق الرئاسي هو اعتبار هذا الفريق ان ما يمكن انجازه من تسوية بشروط اليوم، سيكون افضل من شروط الغد. وتحديدا ﻷن كفته الراجحة على فرض شروطه تتراجع بسبب التطورات الاقليمية، بعد الدعش العراقي الكبير. إذ يريد حزب الله ضمان الاستقرار في قاعدة انطلاقه اللبنانية الى حربه في الاقليم السوري حاليا... وربما العراقي لاحقاً. وهذا يتطلب سدّ الثغرات الامنية السياسية، وتثبيت خيار الانخراط في المواجهة الاقليمية من دون توجيه طعنات له في الداخل.
المزيد من التقبل الاميركي والاوروبي لدور حزب الله الاقليمي الجديد فرضته الاولوية الامنية التي باتت مدخلا لبناء تفاهمات ضمنية. وكما ان مواجهة "الارهاب التكفيري" هي اولوية حزب الله اليوم في المنطقة من لبنان الى العراق، كذلك الحال بالنسبة الى الادارة الاميركية. وبالتأكيد واشنطن ليست في وارد الانخراط المباشر بالقتال، لذا تدعم فعليا المؤسسات العسكرية والامنية في مواجهة تمدد هذه المواجهات نحو لبنان. دعم يتسم بمزيد من توفير شروط مواجهة ناجحة مع هذا الارهاب. فالمؤسسات الامنية والعسكرية اللبنانية باتت تتلقى المزيد من تقارير استخبارية اميركية واوروبية، كما ترسل تقاريرها ومعلوماتها الى هذه الجهات الاستخبارية وغيرها، في سياق تعاون وثيق ضمن هذا الملف.
التقاطع على حماية الجيش وتعزيزه في لبنان بات ممتدا في اكثر من اتجاه. فالمؤسسة العسكرية تستقطب اهتماما متزايدا، بل بات ينظر الى المؤسسة العسكرية والامنية في لبنان، اميركيا، على انها المؤسسة التي سيقع على كاهلها في المستقبل المزيد من مسؤولية حماية الدولة وبالتالي يجب تعزيزها كما تشدد مصادر اميركية، وتؤيد الدعوة الى زيادة عديدها. كما ان المساعدة العسكرية السعودية المرتقبة الى الجيش تحظى بمتابعة ورعاية اميركية واوروبية، بل نشهد الحاحا على وضع برنامج تنفيذها عملياً. وحزب الله بات يستشعر اكثر من السابق اهمية دور الجيش والمؤسسات الامنية، على ما تشير التطورات في الاشهر الاخيرة، مع ازدياد المخاطر الامنية اﻵتية من سورية والكامنة بقوة في فخ انفجار الفتنة المذهبية.
تجري كل هذه الحسابات اليوم في دوائر محلية لبنانية بمقاربة رئاسية، ففي قوى 8 آذار من بات يدفع في اتجاه التقاط فرصة التوافق على ملف الرئاسة، بعدما فقد ترشيح العماد ميشال عون قدرته على الاستمرار او قابلية الاستثمار سياسيا. فالمعطيات التي سمحت بالاسترخاء او عدم الاستعجال في انجاز الاستحقاق الرئاسي تغيرت اليوم. ﻷن هذه القوى وعلى رأسها حزب الله باتت اكثر استعدادا لانجاز توافق على رئيس للجمهورية ولو لم يكن العماد ميشال عون.
المطهر الامني الذي يعيد رسم نظام المصالح الاقليمية والمحلية دفع بعض الجهات القريبة من 8 آذار الى الترويج لخيار تولي شخصية عسكرية رئاسة الجمهورية، خصوصا ان الاولوية الامنية هي التي ستحكم مسار الاحداث في المرحلة المقبلة ولسنوات عدة كما "يبشر" اكثر من طرف، ما يسقط الاعتراضات الدستورية على المواقع الامنية والعسكرية للترشح الى الرئاسة. وواشنطن لا تمانع، وايران لا تعترض والسعودية مستعدة للتمويل والاستثمار في دعم الجيش والاجهزة الامنية. نقطة التقاطع الوحيدة والملحة على الجميع هو ضبط الامن، ما يفتح شهية العسكر والامن على الرئاسات بتشجيع سياسي من الداخل والخارج.