علي الأمين
تقتضي عملية استنزاف سورية بقاء بشار الأسد في السلطة وعلى رأس النظام. فكل المبادرات الدولية والاقليمية لطرح مشاريع حلول تستبطن هذه الحقيقة، لكنها تحاول الالتفاف عليها من خلال التركيز على المرحلة الانتقالية. وهو اقرار ضمني من الجميع بأن بقاء بشار الاسد حاكما هو أمر يتنافى مع ايّ حلّ للأزمة السورية. فبعد كل هذا التدمير والقتل الذي مارسه النظام، لا يمكن تصور ان يكون رأسه وعنوان سلطته حاكما لسورية ما بعد التسوية.
في الحوار الروسي السعودي تنقل مصادر دبلوماسية غربية، ان الطرف الروسي أقرّ بحقيقة أن ايّ تسوية في سورية تفترض خروج الاسد من السلطة. واقترح الدبلوماسيون الروس على الدبلوماسية السعودية الا يكون هذا الشرط معلنا بل متفقا عليه ضمنا بين الروس والسعوديين. وبحسب المصادر الدبلوماسية الغربية أيضاً فإن الدبلوماسية السعودية رفضت ابقاء عنوان رحيل الأسد مضمراً، بل اكدت انه الخطوة الاساسية التي لا بد منها لمقاربة التسوية بنجاح داخل سورية وفي الاقليم ولمكافحة الارهاب.
لكن المصادر نفسها تشير الى ان الامم المتحدة، من خلال مبعوثها الدولي الى سورية، بدأت بتمهيد ارضية التسوية بين الاطراف المتنازعة داخل سورية. ورجحت ان يكون الفصل الاخير من السنة الحالية موعد انطلاقة مسار التسوية برعاية اممية من دون حسم للخيارات ومع ترك الباب مفتوحا لجميع الاطراف بما فيها الأسد.
ما تشير اليه المصادر الغربية هي خطة السلام المقترحة من مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، التي من المفترض أن يبدأ تطبيقها في أيلول، بناء على التالي: تشكيل أربعة فرق عمل تبحث عناوين «السلامة والحماية، ومكافحة الإرهاب، والقضايا السياسية والقانونية، وإعادة الإعمار»، كما تنص على قيام حكم انتقالي. فيما لم يأت ذكر الرئيس الأسد في هذه المرحلة.
ابقاء الغموض في شأن مستقبل الأسد تبرره المصادر الغربية، كما الدبلوماسية الروسية بحسب ما تنقل عنها، بأنه يتيح لكل طرف ان يدخل المفاوضات من دون ان يتنازل عن شروطه. لكن اطرافا في المعارضة السورية، وتحديدا في الائتلاف الوطني، الذي رحب ترحيبا مبدئيا بالمبادرة الدولية بانتظار معرفة تفاصيلها لاسيما مصير الأسد، تؤكد ان المعارضة السورية ليست في وارد التسليم بوجود الاسد بعد ايّ تسوية مع النظام القائم. وتصر على أن شرط ايّ مرحلة انتقالية هو منع النظام من اعادة انتاج نفسه، لأنه سبب الأزمة ولا يمكن له ان يكون جزءاً من الحلّ.
الدبلوماسية الروسية تراهن على دور سعودي في ترويض موقف المعارضة، يبدو انه صعب. لإدراك السعودية، المتحسسة من تمدد الجماعات الارهابية في المنطقة العربية وفي البيئة السنية بشكل خاص، من أنّ ايّ موقف سعودي متساهل مع شخص الأسد سيكون كفيلا باكتساح التطرف المعارضة السورية. بل ثمة تحذير استراتيجي داخل العائلة السعودية الحاكمة، من أن موقفا كهذا قد يفجر الداخل السعودي في مواجهة السلطة القائمة. لذلك فإن المقاربة السعودية للأزمة السورية لا تنفصل عن الاستقرار الداخلي في المملكة نفسها.
عدم تساهل السعودية في شخص الاسد منشؤه حسابات سعودية داخلية بالدرجة الاولى تتصل بأمن المملكة والنظام بحسب المصادر نفسها. لذا بدت الدبلوماسية السعودية شديدة الحرص على التأكيد انها لا ترى حلا في سورية من دون رحيل الأسد. ولأن الحرب الفعلية في المنطقة العربية تقوم بين الخيارات السنية المعتدلة والمتطرفة اكثر مما هي حرب بين السنّة والشيعة، أو حرب بين ايران والمملكة السعودية. فالعارفون يدركون أن ايران، بإيديولوجيتها المذهبية، لا تهدد نظام الحكم في السعودية بل تزيد من قوته. والعكس صحيح ايضا. لكن الخطر الحقيقي الذي تواجهه السعودية هو ذلك المتأتي من الخيارات السنيّة المتطرفة التي تناصب العداء للنظام السعودي.
هذا الخطر مرشح للتنامي والقوة كلما بدت القيادة السعودية عاجزة عن مواجهة تمدد النفوذ الايراني وعاجزة عن التصدي لسياسة تهميش الأكثرية السنية في سورية. ولعل المشهد العراقي، من خلال صعود تنظيم داعش وتمدده، يصلح نموذجا لكيفية أن فشل النظام الاقليمي العربي في مواجهة تحديات الاختراق الاميركي من جهة والايراني من جهة ثانية، قد أطلق وحش الارهاب وثقافته. ولأن السعودية تصدت لقيادة النظام الاقليمي العربي، فهي تدرك أن الأزمة السورية، وإن كانت تهدد أمنها كلما طالت، إلا أن أيّ تسوية تعيد تبييض صفحة الأسد ستكون كفيلة بتعملق داعش مجددا، وباتجاه السعودية اولاً.