«أبوهما التغلّب وأمهما الرياسة»

«أبوهما التغلّب وأمهما الرياسة»

«أبوهما التغلّب وأمهما الرياسة»

 لبنان اليوم -

«أبوهما التغلّب وأمهما الرياسة»

حسن البطل

من بين الجمّ الكثير من صور المخاض الدموي السوري، استوقفني، مثلاً، «آرمة» على طريق في منطقة تخضع لسيطرة «النصرة»، تقول: «الديمقراطية شرك».
الديمقراطية (وفي الأصل الإغريقي ديموكراتيّا) مفردة سائرة ومطروقة في اللغات الحيّة، وأكثر بقاء وصلاحية استخدام من «الاستعمار» و»الكولونيالية» و»النيوليبرالية»... إلخ، وكذا «الشيوعية» و»الرأسمالية».
ربما، وحدها، من بين اللغات الحيّة، تُرجمت المفردة، للعربية، إلى «الجمهورية»، وفي معظم اللغات الأخرى فإن «ريبابليك» هي الجمهورية، والديمقراطية هي نمط من الحكم الديمقراطي، يختلف في التطبيق من بلد جمهوري إلى آخر، وقد تكون «الملكية» الدستورية ديمقراطية أكثر من «الجمهورية» الاستبدادية.
أيضاً، في معظم اللغات الحيّة، فإن «البولتيكا» هي «السياسة» في العربية كما «الاستبداد» هو الديكتاتورية، وهذه مفردة ستظلّ سائرة ومطروقة في اللغات مثل «الديمقراطية».
هل كان «الربيع العربي» ثورة قاعدية شعبية على «الاستبداد» العربي الجمهوري ـ الملكي (الجمكلي؟) أم أن هذا الربيع (الخريف ـ الشتاء) انتكس إلى حركات أصولية ترى في «الديمقراطية شركا»؟
في ما يعرف بـ «عصر التنوير» العربي، يعودون إلى استذكار عبد الرحمن الكواكبي، وبخاصة كتابه الشهير «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» وقد أعادت «دار الجمل ـ كولونيا ـ ألمانيا» إصدار، طبعة جديدة للكتاب.
يهمنا، بالذات، علاقة «الديمقراطية شرك» بما يراه الكواكبي من علاقة بين «الاستبداد والدين».
في رأي الكواكبي «.. الحاصل أن كل المدققين السياسيين يرون أن السياسة والدين يمشيان متكاتفين، ويعتبرون أن الإصلاح الديني هو أسهل وأقوى وأقرب للإصلاح السياسي»؟!
هذا الرأي يجوز في الدول الديمقراطية التي فصلت بين السياسة والدين، أو بين العلمانية وبين الميثولوجيا الدينية.
يقول الكواكبي: «تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان، على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول: إن لم يكن هناك توليد بينهما، فهما أخوان أبوهما التغلّب وأمهما الرياسة، أو هما صنوان بينهما الحاجة إلى التعاون لتذليل الإنسان، والمشاكلة بينهما أنهما حاكمان أحدهما في مملكة الأجسام، والثاني في عالم القلوب»!
ما هي السياسة عنده؟ «لا خفاء» أن السياسة علم واسع جداً، يتفرع إلى فنون كثيرة، ومباحث شتّى.. وقلّما يوجد إنسان يحيط بهذا العلم، كما قلّما يوجد إنسان لا يحتكّ به.
السياسة هي «بولتيكا» في لغات، وفي العربية هي مشتقة من ترويض الخيل. يُقال سائس، أي هو سياسي في ترويض ومعاملة الخيل.
كيف مورست السياسة، حتى عصر كتب فيه الكواكبي كتابه عن «طبائع الاستبداد»؟
للأقدمين كانت فترة تأسيس الجمهوريات (الديمقراطيات) لدى الرومان واليونان (مجلس الشيوخ هو السينات لدى الرومان ولدى مجالس الديمقراطيات مثل أميركا الآن).
قد تجد لدى البعض من هؤلاء لدينا سياسة أخلاقية مثل ما في كتاب «كليلة ودمنة» ورسائل غوريغوروس، ونهج البلاغة، وكتاب الخراج!
في القرون الوسطى كانت، أيضاً، ممزوجة بالأخلاق (الرازي، الطوسي، الغزالي) وهذه هي طريقة الفرس.
لاحقاً، صارت السياسة ممزوجة بالأدب (المعرّي) المتنبي.. وهذه هي طريقة العرب، أو ممزوجة بالتاريخ (ابن خلدون، ابن بطوطة) وهي طريقة المغاربة.
أما المتأخرون، من أهل أوروبا وأميركا، فقد وضعوا فيها مجلّدات ضخمة، وميّزوا بين سياسة عمومية، وسياسة خارجية، وسياسة إدارية، وسياسة اقتصادية، وسياسة حقوقية.. إلخ».
في العربية يقولون: إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع، هل هذه هي السياسة العملية، أم نجدها في تعريف الكواكبي: «إدارة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة»!
ما هي العلاقة بين الأديان والاستبداد؟ في رأي الكواكبي أن التعاليم الدينية والكتب السماوية تدعو إلى خشية قوة عظيمة هائلة لا تُدرك العقول كنهها، وتهدد الإنسان في كل مصيبة في الحياة، فقط، كما في البوذية واليهودية، أو في الحياة وبعد الممات كما عند النصارى والإسلام.
الآن، تصف الحركات الأصولية أعمالها «بالجهادية» لكن الكواكبي في زمن التنوير يصف «الجهادي» بأنه «مفادي»، ربما متأثراً بالفتوح الدينية الإسلامية التي رفعت شعاراً يقول: جئتكم بأناس يحبّون الموت كما تحبّون الحياة، أي أن «الداء هو حبّ الحياة، والدواء هو حبّ الموت»، أو «وللآخرة خير من الأولى».
«المفادي» هو «المجاهد» أما «الفدائي» أو «الكوماندوس» فهو تكتيك قتالي «ووصف للشيء وليس للإنسان» يقول!
***
الربيع العربي أو الخريف، أو الشتاء الإسلامي، يدفعني لوصفه بشيء آخر إنه أشبه بـ «الزلزال» وهذه الحركات الأرضية الاهتزازية إمّا تكون سطحية أو عميقة، ويختلف تأثيرها حسب عمقها وسطحيتها، وهذه حسب التربة والصخور، لذلك تفاوت «الربيع» من بلد عربي إلى آخر، لكن مجرّد وصفه بـ «العربي» يعني أن الحالة صارت عدوى عربية، بما يؤكد وجود نظام استبداد عربي متفاوت، أو وجود ما يسمى «العالم العربي».
***
فلسطينيو وسورية
لا تتوفر في فوضى «الربيع السوري» إحصائيات دقيقة عن عدد القتلى المدنيين والعسكريين، والتقديرات تتراوح بين 250 ألفا إلى 300 ألف، غير نزيف الهجرة الداخلية والخارجية.
لكن «مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية» نشرت إحصائية عن عدد القتلى والشهداء الفلسطينيين السوريين حتى منتصف الشهر الجاري، وهم بلغوا (3100) ضحية، معظمهم (1056) جرّاء قصف مخيّماتهم، و(693) في اشتباكات مسلحة و(283) برصاص قنّاصة و(431) في زنازين النظام و(184) في حصار مخيم اليرموك و(453) لأسباب أخرى.
نسبة الفلسطينيين السوريين إلى السوريين العرب هي 2% أي أن نسبة ضحاياهم تقارب نسبة الضحايا العامة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أبوهما التغلّب وأمهما الرياسة» «أبوهما التغلّب وأمهما الرياسة»



GMT 10:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

... والدفرسوار الخليجي؟

GMT 08:26 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مخاض عسير للحكومة اللبنانية

GMT 09:32 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

لبنان وخيار التوجّه نحو الشرق

GMT 17:41 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

أخبار عن أبحاث وسورية ومبيعات السلاح

GMT 11:05 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

حزيران الرابع .. تركي أردوغاني!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon