تقول واشنطن بلسانها إنها تعارض الاستيطان اليهودي، ولكنها استخدمت حق النقض في مجلس الأمن، العام 2011، ضد مشروع قرار يدين الاستيطان.
هذا يعني أن واشنطن مسؤولة، ولو بشكل غير مباشر عن تمادي إسرائيل في البناء الاستيطاني منذ خمس سنوات، لا بل مسؤولة عنه منذ مؤتمر مدريد 1992 وحتى قبله. لماذا؟
في ذلك العام كانت إسرائيل في مسيس الحاجة إلى استيعاب موجة الهجرة الروسية، وطلبت من البنوك الأميركية ضمانات قرض بقيمة 10 مليارات دولار، فوافقت الحكومة على الضمانات، واشترطت حسم كلفة أي توسع استيطاني من المساعدات المدنية الأميركية لإسرائيل. هي في النتيجة: كم مستوطنا يهوديا روسيا سكنوا خارج "الخط الأخضر"، بمن فيهم الوزير أفيغدور ليبرمان، وفي الإجمال كم عدد إجمالي المستوطنين الجدد منذ ذلك العام.
إسرائيل استغنت عن الشق المدني في المساعدات المالية الأميركية، وأمّا عن الشق العسكري البالغ 3 مليارات دولار، مباشرة، غير حصة أميركا في المشاريع الأمنية التكنولوجية، فهي تطالب الآن بـ 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات، بدءاً من العام 2017، أي ما يقرب من ميزانية السلطة الفلسطينية خلال هذه الفترة.
أميركا هي ضامنة أمن إسرائيل العسكري والاستراتيجي (إلى الأبد كما تعهدت المرشحة للرئاسة هيلاري كلينتون) وكذلك أمنها اليهودي والديمغرافي والديمقراطي الذي قد يهدّده رفضها لحل الدولتين، ويقودها إلى حل الدولة الواحدة، أي الأبارتهايد والتمييز العنصري.
أخيراً، لوّح الرئيس أوباما ولمّح إلى أن واشنطن ستجد صعوبة في الدفاع عن أمن إسرائيل الدبلوماسي والسياسي وعزلتها الدولية، أي أنها قد لا تستخدم حق النقض في مجلس الأمن وباقي منظمات الأمم المتحدة.
"لم يعد أمام الولايات المتحدة، في الوضع الحالي، أدوات لمواجهة محاولات عزل إسرائيل في العالم" كما قال اوباما خلال لقائه رئيس دولة إسرائيل، رؤوبين ريفلين.
هل ستنتهي بذلك نكتة تصويت أميركا إلى جانب بولينيزيا وميكرونيزيا في منظمات الأمم المتحدة ضد مشاريع قرارات "الغالبية الآلية" ضد فلسطين كما تصفها إسرائيل؟
إذا سحبت واشنطن مظلة الفيتو الحمائية عن إسرائيل السياسية والدبلوماسية في مجلس الأمن، لا تملك إسرائيل من أمرها شيئاً.
آنذاك، لا ضرورة لمشروع قرار دولي يستند إلى "الفصل السابع" في الموضوع الفلسطيني، لأن سحب مظلة الفيتو الأميركي تنوب عنه عملياً.
لو أن اوباما "بقّ البحصة" لقال إن إدارته ستصوت إلى جانب المشروع الفرنسي أو ستمتنع عن نقضه بالفيتو، وهو المشروع الذي يطالب بمهلة زمنية محدّدة قبل أن يصوت مجلس الأمن على الاعتراف بدولة فلسطين.
لماذا اختار أوباما أن يلمّح ويلوّح بسحب مظلة الفيتو عن إسرائيل؟ صحيح أن رئيس دولة إسرائيل يشغل منصباً شرفياً، لكنه أيضاً عضو في حزب الليكود شأنه شأن رئيس الوزراء، علماً أنه منح الرئيس بيريس وسام الحرية عام 2012.
ريفلين لا ينفي أنه مع خيار الدولة المشتركة، ولكن بحقوق متساوية لرعايا إسرائيل اليهود والفلسطينيين فيها، وبحقوق سياسية غير متساوية للفلسطينيين تحت سيادة الاحتلال، أي مع حكم ذاتي موسّع يكون أقل من دولة سيادية.
ما الذي ينقص تلويح وتلميح اوباما أمام ريفلين؟ إنه ربط برنامج المساعدات الأمنية الأميركية الجديدة عشرية السنوات لإسرائيل مع مطلب تجميد الاستيطان، وقبول إسرائيل حل الدولتين رسمياً وفعلياً.
لم يكن حل الدولتين مطروحاً أميركياً وعالمياً عندما ربطت إدارة بوش الأب الجمهورية بين ضمانات القرض والاستيطان اليهودي.
كانت أميركا قد هدّدت عرفات إن أعلن دولة فلسطينية من جانب واحد، وكانت قد هدّدت باستخدام حق النقض ضد مشروع قرار فلسطيني إلى مجلس الأمن يستند إلى تصويت الجمعية العامة بقبول فلسطين عضواً مراقباً، ثم جمّدت وعرقلت وأخّرت تقديم مشروع فرنسي ـ اوروبي كانت ستصوت عليه إيجابياً أربع دول من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
خطب اوباما في تركيا مستهل ولايته الأولى عن الإسلام، ثم خطب في القاهرة في مستهل ولايته الثانية عن السلام.. وعليه أن يخطب أمام الكنيست في نهاية ولايته الثانية عن فلسطين، قبل أن ترفع أميركا مظلة الفيتو الدبلوماسية والسياسية عن إسرائيل.
في أول العام 2017 سيسلّم اوباما الرئاسة إلى رئيس جديد. إنه عام يصادف مرور قرن على وعد بلفور لإسرائيل، وكذا على مبادئ الرئيس ويلسون حول حق الشعوب في تقرير مصيرها.
كلنا نعرف أن "حل الدولتين" هو بمثابة كنية الاسم للدولة الفلسطينية.