حسن البطل
في بحر نصف العام، اجتازت إيران بنجاح امتحان اتفاق فيينا النووي الدولي، وملخّصه هو التزامات مقابل التزامات.
التزام إيران تجاه الدول الست (دول الفيتو + المانيا) يبقيها على الحافة النووية بين السلاح النووي والقدرة النووية.
التزام المجتمع الدولي تجاه إيران هو رفع العقوبات الاقتصادية، وفتح صفحة تطبيع العلاقات الإيرانية ـ الأميركية بالذات، المقطوعة منذ احتجاز الرهائن الأميركيين في السفارة، بعد الثورة الإيرانية الإسلامية.
المعنى؟ لن تفكك إيران برنامجها النووي المدني، لكن لن تجتاز، خلال الـ 15 سنة المقبلة، الحافة النووية إلى برنامج عسكري، ومن ثم لن يكون هناك سباق نووي في الشرق الأوسط لأغراض عسكرية، أقله حتى نفاذ اتفاق فيينا.
منذ بدء البرنامج النووي الإيراني، وبخاصة منذ المفاوضات الدولية حوله، وإسرائيل تخلط بين القدرة النووية والسلاح النووي، وبين السلاح النووي والتهديد الوجودي لإسرائيل، وبين هذا التهديد وتطوير البرنامج العسكري النووي الإسرائيلي إلى القدرة على توجيه ضربة ثانية نووية لايران.
أميركا تعهدت، حتى بعد اتفاق فيينا، وخلال فترة سريانه، أن لا تسمح لإيران باجتياز الحافة بين "القدرة" النووية و"الترسانة" النووية العسكرية، بما يعني "مظلة نووية" أميركية لحماية إسرائيل.
إسرائيل ستبقى تحتكر "الترسانة" النووية العسكرية لكن ستفقد احتكار "القدرة" النووية المدنية. هذا هو السبب العميق لمعارضتها للبرنامج النووي الإيراني.
يعترف خبراء إسرائيليون أن التقدم التكنولوجي الإيراني يسير بخطى سريعة تطوي التقدم التكنولوجي الإسرائيلي، من حيث عدد خريجي المعاهد التكنولوجية في البلدين.
لفهم هذا الخوف التكنولوجي الإسرائيلي، سنعود إلى شهور وأيام سبقت إعلان الوكالة الذرية الدورية دخول "اتفاق فيينا" حيز التنفيذ.
في 16 من شهر كانون الأول الماضي، باعت إيران 9 أطنان من اليورانيوم المخصّب لروسيا، ومنذ أسبوعين باعت إيران 40 طناً لأميركا من فائض إنتاجها من الماء الثقيل، عبر بلد آخر.
هذا يعني أن إيران، قبل وبعد اتفاق فيينا، صارت دولة مصدرة للمواد النووية إلى أهم دولتين نوويتين عالميتين، واعترفت المختبرات الأميركية بجودة الماء الثقيل الإيراني، الذي لا يمكن إنتاج سلاح نووي دونه، كما دون اليورانيوم المخصّب.
للمقارنة، فقد دمّرت المختبرات الأميركية، هذا الشهر، آخر دفعة من المستودعات السورية للأسلحة الكيماوية، وبذلك تم نزع السلاح الكيماوي السوري.
مع تدمير العراق، بذريعة أكاذيب "سلاح الدمار الشامل" والتدمير الجاري في سورية، سقطت الدعاية الأميركية عن "محور الشر" و"الدول المارقة".
ما الذي لم يسقط حتى الآن؟ خوف إسرائيل من مطالب نزع سلاحها النووي، أو إخضاع برنامجها النووي لمراقبي الوكالة الذرية الدورية.
مع 120 ـ 200 سلاح نووي لدى إسرائيل، أضيف إلى هذه الترسانة خمس غوّاصات "دولفين" المانية الصنع، قادرة على حمل سلاح نووي، إضافة إلى غواصة سادسة تنتظر التسليم.
بذلك، تحتكر إسرائيل في المنطقة السلاح النووي، لكنها خسرت، بسبب إيران، احتكار القدرة النووية المدنية، بدليل تصديرها اليورانيوم والماء الثقيل.
يستطيع الرئيس اوباما أن يسجل لولايتيه الانفتاح على كوبا، المحاصرة منذ انتصار ثورتها، وكذلك تطبيع العلاقات مع إيران، إضافة إلى اجتياز الأزمة المالية منذ انهيار بنك "نيومان براذر"، وخلق فرصة عمل لـ14 مليون أميركي.
ستحصل إيران، فورياً، على تسييل بضع عشرات مليارات الدولارات، وعلى المدى الأبعد تسييل 150 مليار دولار محتجزة نتيجة العقوبات الاقتصادية، لتحديث أسطولها الجوي المدني، وآبار نفطها، وأيضاً لدعم حلفائها في سورية وحزب الله.
أخيراً، قبل بدء تنفيذ اتفاق فيينا، قامت البحرية الإيرانية بـ "فركة أذن" للبحرية الأميركية في الخليج، واحتجزت بحّارة أميركيين، واعتذرت أميركا لإيران التي أفرجت عنهم سريعاً.
إيران لعبت "الشطرنج" السياسي بذكاء وتصميم، وبدءاً من الآن لن تبقى إسرائيل هي الدولة المركز في هذا الشرق الأوسط.