العائلة

العائلة

العائلة

 لبنان اليوم -

العائلة

حسن البطل

الزنزلخت هو الزنزلخت، عبر نافذة البيت في كفر ياسيف، وفي ساحة بيت لا يشبه البيت في عين الحلوة. لم يصب الزنزلخت بأي سوء: مكورات عنقودية صفراء، في حجم حدقة العين. ثمر أصفر مرّ. غصن هش.. وأشجار الزنزلخت تتساقط أوراقها في مواعيد مقدسة، في «جنة المرء داره».. وتحت أغصانها يحلم الجد في مخيم اليرموك بحاكورة الدار، حيث كانت الجنة، وكان الجد من قرية الناعمة معلماً في صفد؛ وكان الجد فلاحاً - محارباً في طيرة حيفا.

للفصول ميقات، وهذه النكبة لا تقدم أو تؤخر ميقات الزنزلخت.. ولو أصاب المكان كل سوء. فقط، خطفت النكبة من الجد في عين الحلوة صدارة مائدة العشاء.. وخطفت الابن، من إفطار الزيت والزعتر والشاي إلى قواعد الفدائيين والمنفى، وألقت بالحفيد في زواريب المخيم: ليلعب بزوارق من ورق، والماء سواقي المياه الآسنة.

البيت في كفر ياسيف وطن صغير؛ والعائلة المقدسة شعب صغير. هذا هو «عرين» نمر مرقس  في كفر ياسيف. إذا قرأت دفتر الحياة، صفحة إثر صفحة، سترى أن الثالوث المقدس: إنسان، نبات، حيوان. فإذا قرأت صفحة وجه الجد ستراه رغيف خبز من تنور «عصبة التحرر الوطني»، ونار النكبة.. ودخان التشكّل الجديد.. وأخيراً سماء صافية.

لم نذهب إلى سر العائلة المقدسة في كفر ياسيف، أو ذهبنا لنجد في العائلة سر الماء في تحولاته الثلاثة: أول الجليد على وجه الجد، ماء رقراق على وجه الابنة.. والحفيد فراس كالندى إذا ضحك للجد، أو كبخار ساخن إذا شاء شيئاً من الجدّة.

عُرْفُ العائلة الفلسطينية في كفر ياسيف يعلو على موجة النكبة، والبيت في كفر ياسيف مرفأ الشاعر إذا أطلّ على مضاربه ومرابعه، والقرية مهده الروحي، والحزب مهده الفكري. «البروة» على رمية حجر، وعلى رمية حجر أخرى بيت النزوح إلى «الجديدة».. وهنا قرية المدرسة. وعلى هذه الأريكة جلس الرفيق إلى الرفيق والمواطن إلى المواطن.. وكان «الزنزلخت» قتيلاً في بيروت، وكان حياة في كفر ياسيف.. حياة العائلة في بيت دعوته «عرين النمر» يشد برباط رفاقي الجد إلى الجدة، إلى الابنة، والصهر والحفيد: الجميع جبهويون. الجميع يصوّتون «واو» في الانتخابات البرلمانية والبلدية. رفاق في الدرب؛ رفاق في الحزب.. والجد، نمر مرقس، الذي ناضل مع إميل حبيبي وحنا نقارة وتوفيق طوبي في عصبة التحرّر الوطني، يعرف طيرة حيفا قبل أن أولد فيها، ويعرف أنني أول من صرخ في صحيفة م.ت.ف: «كل الدعم لبلدية الناصرة الديمقراطية». وقال أخي، في ذكريات الحرب، إنه ورفاقه حرّروا «كمب الحديد»، وقال الجد في كفر ياسيف: وكان الكمب معقلاً من معاقل الحركة العمالية الفلسطينية.
وأنا القادم من رام اللّه، من مسيرة الشموع تضامناً مع لبنان، وجدت أن عبارات كتبتها لليافطات في رام الله، كأنها عبارات كتبها نمر مرقس ليافطات رفعها الرفاق والمواطنون في عكا.. لكنه يكتبها بالعربية والعبرية. واليافطات ترتاح تحت شجرة الزنزلخت.. ولساني يبحث عن لسان الأم: تارة أقول: «الآن»، وتارة «هلأ».. فإذا استدركت قلتُ «إسّا» وضحكوا في أربعة أركان المائدة. أقول: «خَيّا» و»خَيْتَا» أو أنطقها: «أخي» و»أختي».

الجليل انقسم ثلاثة: جليل بقي في الجليل. جليل لجأ إلى جنوب لبنان، وجليل ثالث لجأ إلى غوطة دمشق. والزنزلخت في اليرموك كما الزنزلخت في عين الحلوة.. ووراء النافذة زنزلخت تتحاشى العصافير أفنانه، وتتحاشى الدجاجات ظله.

حتى الدجاجات بلدية أصيلة، تكاد إذا ركضت تطير. دجاجات في لون النار والذهب، وأخرى في لون الغراب الأسخم.. ومنذ كنت صغيراً في المنفى، إلى أن زرت مرفأ كالبيت في كفر ياسيف، نسيت نكهة بيضة دجاجة البيت. هل تحبّها نيئة؟ نعم. هل تحبّها «برشت»؟ نعم. تحبّها مسلوقة؟ لا. مقليّة؟ لا.

تبدو كفر ياسيف أندلساً صغيرة راسخة في بلاد الفردوس المفقود، وتبدو «غرناطة» التي لم تعد غرناطة الأديان الثلاثة، وها هنا في كفر ياسيف سيبة ثلاثية الأركان: دروز. مسيحيون. ومسلمون.. وتبدو وطيدة الأركان. العائلة عائلة مقدسة: جد، وابنه وحفيد. والبيت بيت مقدس: إنسان، نبات، وحيوان.

والشعب سر الماء في حالاته الثلاث: ماء جليد. ماء سائل.. ماء بين الندى والبخار. يارا في التاسعة قادمة من ديوان سعيد عقل، وفراس ابن السادسة مثل مهر يعدو بين أشياء البيت، وحضن الجد، ولقمة الجدة.

الزوج الشاب مهندس أوقات العمل، وملحّن في وقت الفراغ. والزوجة الشابة مغنية. قد أسأل «ما لون الصوت» وقد يأتيك الجواب: برعم فيروزي واعد.. وفي الألبوم الأول ما كتب الشاعر قبل أن تولد المغنية. عود وغيتار.
إذ أمسك الزوج أحدهما، صار الزوجان اثنين في واحد. وفي الصباح، ومثل خفقة القلب، يذهب الزوج إلى عمله في الناصرة، والزوجة إلى عملها في حيفا.. وفي المساء يخفق القلب مرة أخرى. زوج وزوجة. شابان متحابّان في ظل جد وجدة.. والجميع جبهة في العائلة، ومناضلون في «الجبهة». «العديل» رفيق و»الكنة» رفيقة.. والجد رفيق كبير.

ربما كانت حيفا مرفأ البلاد. وربما كانت العائلة في كفر ياسيف مرفأ شعب البلاد.. وللزنزلخت أن يبقى زنزلخت.. في القصيدة وفي مواقيت الفصول.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العائلة العائلة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon