حسن البطل
سأختار لها وصفاً "حكومة انتقالية" كما وصفها بها رئيس السلطة، الذي كان وصفها أيضاً "حكومة تكنوقراط" مستقلة عن الفصيلين الأكبرين. هناك من يصفها "حكومة الوحدة الوطنية" أو "المصالحة" .. ووحدها إسرائيل تصفها "حكومة فتح - حماس"!
"انتقالية" يعني "مؤقتة" إلى حين انتخابات تصحّح أو تكرّس انتخابات العام ٢٠٠٦ التي اعترف بها الرئيس، ولم تعترف بها الولايات المتحدة، ربما لأنها "فوجئت" بنتيجتها الكاسحة لصالح "حماس" والمخالفة لتوقعات دولية وإسرائيلية .. بل وفلسطينية!
لو أن انقلاب حزيران ٢٠٠٧ لم يحصل لأمكن، ربما، تذليل مقاطعة دولية لها بدليل رضى المقاطعين عن استمرار وزير المالية، سلام فياض، في شغل حقيبته، الذي صار رئيساً لحكومتين أو ثلاث بعد الانقلاب، واعتبر تكنوقراطاً ومستقلاً ومؤسساً لإدارة.
في الحقيقة، لم تكن حكومات ما قبل انتخابات ٢٠٠٦ وانقلاب ٢٠٠٧ حكومات فتحاوية صرفة، بل حكومات ذات غالبية فتحاوية حكماً، لأن انتخابات ١٩٩٦ الأولى أسفرت عن فوزها.. ومن ثم، لم تكن حكومات ما بعد الانقلاب سوى ائتلافية بين مستقلين وتكنوقراط.
هناك من سيعدّها عدّاً بوصفها الحكومة الـ ١٤ خلال عشرين عاماً من تشكيل السلطة، أي أن متوسط عمر الحكومة سنة ونصف السنة، وهذا عمر قصير لأية حكومة، علماً أن متوسط حكم حكومات إسرائيل هو سنة أو سنتان ونصف السنة منذ أوسلو، باستثناء حكومة نتنياهو الثالثة والأطول عمراً.
رسمياً، حكومات حقبة السلطة تبدو مستوفية لشروط حكومة عادية شكلاً، وذات حقائب وزارية لم يقل أي منها عن عشرين حقيبة وما فوق.
فعلياً، فإلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الثالثة، وإلى ما بعد إجرائها أي قيام دولة فلسطينية مستقلة حقاً، فهي ستبقى حكومات محكومة بشروط العلاقات الخاصة مع إسرائيل، لأنها الدولة المحتلة ثم الدولة الجارة، التي تحتوي كدولة محتلة مناطق السلطة ولو بشكل مختلف عن احتوائها الضفة (حصار داخلي وخارجي) وعن احتوائها للقطاع "المحرّر" داخلياً، و"المحاصر" في غلافه البري والبحري.
بعد تشكيل الحكومة ١٤ غداً (اليوم)، الائتلافية، أو الانتقالية ..، وإعلان إسرائيل، وحدها، عدم اعترافها بها، سنعرف ماذا يعني رئيس السلطة في ردّه وردّ حكومته على مقاطعة اسرائيل لها، بدءاً من حجز اموال المقاصة، حتى منع تحرك وزراء غزة في الحكومة إلى رام الله.
بصراحة، هذه مقاطعة بدأت بعد ٢٩ نيسان موعد كيري لإنهاء المفاوضات، عندما حظَرَت حكومة اسرائيل على اعضائها اي صلات سياسية مع حكومة الحمد الله، باستثناء صلات أمنية، واعادت احياء قسم كبير من صلاحيات "حكومة بيت ايل" مقر الادارة المدنية الاحتلالية.
ربما يجب النظر الى الحكومة الجديدة، لا بوصفها حكومة انهاء الانقسام (انقلاب حزيران ٢٠٠٧) بل بوصفها رداً سياسياً فلسطينياً على الانسحاب الاسرائيلي، أحادي الجانب، من قطاع غزة ٢٠٠٥، الذي كان مقصوداً وسبباً في المضاعفات الفلسطينية والغزية، وحركة متعمدة لنقض التزام اسرائيل باتفاقية اوسلو وبالوحدة السياسية والادارية لشطري الاراضي الفلسطينية.
بدلاً من أمنية رابين "ليبتلع البحر غزة" كانت الخطوة الشارونية اولاً لكي تبتلع غزة السلطة الفلسطينية - الاوسلوية .. والدولة المزمعة.
يمكن للجانب الفلسطيني ان يتجاوز "ديكتاتورية الجغرافيا" الاسرائيلية الفاصلة، كما في جلسات البرلمان الثاني عبر "فيديو - كونفرنس" أو جلسات الحكومة ١٤ عبر هذه الوسيلة.
عندما لم تنفع اسرائيل هذه الوسيلة، لجأت الى اعتقال ومحاكمة النواب المنتخبين وبعض الوزراء.
خطوة - خطوة - سيكون الرّد الفلسطيني على كل خطوة اسرائيلية في تصعيد المقاطعة للحكومة الجديدة، علماً ان اولى خطوات اسرائيل جرّبها الفلسطينيون تكراراً في حجب اموال المقاصة وتوريد الضرائب (بعد حسم اسرائيل ٣٪ كومسيون أو جعالة).
بالفعل، بدأت اسرائيل خطوات انذارية ومتدرجة في حجب الاموال الفلسطينية، بذريعة سداد متأخرات فلسطينية لامتحان استيراد الكهرباء والماء من اسرائيل.
وعدت الدول العربية، تكراراً بتفعيل شبكة الضمان المالي للسلطة، وأكدت اوروبا، باعتبارها المانح الاكبر، انها ستعترف تلقائياً بالحكومة الفلسطينية الجديدة، وتميل اميركا للاعتراف بها حسب تشكيلتها، العالم يمنح المال واسرائيل تحجب المال!
هناك، بالطبع، تهديد فلسطيني باللجوء الى عضوية مزيد من منظمات الأمم المتحدة، باعتبارها دولة، وهو ما تمّ تطبيقه بشكل مختار وبعناية .. لكن قمة الردّ الفلسطيني قد تكون وقف التنسيق الامني مع اسرائيل، سوّية مع زيادة ضغط حركات الاحتجاج السلمية على الجدار الفاصل وتمادي الاستيطان، وقضية الأسرى.. انتفاضة بالتقسيط والتنقيط!
من المتوقع، خلال المرحلة الانتقالية بين حكومة مؤقتة وانتخابات فلسطينية، أن تعرقل اسرائيل اجراء الانتخابات، رسمياً، في القدس الشرقية، لتمتحن قول الفلسطينيين ان لا انتخابات بلا القدس، لكن يمكن، فنياً، الانعطاف على هذا التعطيل الاسرائيلي.
إن لم تعترف اسرائيل بنتيجة انتخابات ٢٠٠٦ وبحكومتها، ولا تنوي الاعتراف بنتيجة الانتخابات الثالثة، فهذا يعني نقض ادعاءاتها بالديمقراطية واحترام ارادة الفلسطينيين، الذين يتعاملون مع كل حكومة ينتجها شعبها.
بذلك، تكون اسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعترف بالانتخابات وحكوماتها، لأنها لا تنوي، فعلاً، الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، التي يعترف العالم بحق الفلسطينيين في قيامها. "الاستقلال يؤخذ ولا يُعطى"!
أخيراً، فإن الفلسطينيين الذين اجروا كل انتخابات بنزاهة شهد لها العالم، يعطون درساً مضاعفاً للدول العربية سواء في قبول فوز الإسلاميين العام ٢٠٠٦ أو في إنهاء الانقسام العام ٢٠٠٧.
جدارة الفلسطينيين بالحرية، تعني جدارتهم بالديمقراطية .. وجدارتهم بالاستقلال.