حياة

حياة؟!

حياة؟!

 لبنان اليوم -

حياة

حسن البطل

"الطيراوية طخوا البحر" أهي واقعة أم تشنيعة؟.. لا أدري. رواية أمي مريم (رحمها الله) للواقعة أن طيراوياً نزل البحر مزلبطاً، فأخذت موجة أواعيه.. ثارت ثائرته وطخ البحر بمرتينية، فذهب مثلاً على يباس راس الطيراوية في سائر فلسطين قبل النكبة. في النكبة طخطخ الطيراوية من سن 14 إلى سن 60 (طيرة حيفا ــ طيرة الكرمل ــ طيرة اللوز) على اليهود، وكانت الطيرة آخر موقع عربي ساحلي سقط بعد إقامة إسرائيل بشهرين تقريباً، في تموز 1948.. ورحلت الولايا والنساء في نيسان من ذلك العام. استمعت إلى روايتين، بعد عودتي، عن شدة بأس أهل قرية هي الأكبر، مع ترشيحا، في الجليل الأول من ابن عم عزمي بشارة في ترشيحا، والثانية من إميل حبيبي في رام الله الذي روى كيف كان شبان الطيرة يغلقون أسواق حيفا في أيام الإضراب الكبير (ستة أشهر): "سكّر يا عرصة سكّر". إلى الأبد سترن أهزوجة رسمية، ابن خالة أمي، في قرية الكبابير الـمجاورة للطيرة، ما إن قيل لها: "أجا ابن مصباح". هزجت: "قال عيسى البطل.. يللا ميت فارس على الأفراس هبوا" وأكملت ضاربة كفاً بكف: "راح الطيراوية.. راحوا" رحنا ولايا ونسوة.. وراح الرجال الطيراوية بعدنا من الحصار.. لكن الطيراوي حسين مصباح البطل، أخي الكبير وباكورة الوالد مصباح، بقي جريحاً جرحاً ثخيناً عشر سنوات، ثم تسلل إلى لبنان فأعادوه.. فإلى الضفة وسورية. بادل النفي عن الوطن بالنفي عن العائلة.. ثم ندم! إلى حسين، أبو مصباح، أرسلت صورة الشجرة حيث تركه أبي جريحاً، ثم أرسلت بواسطة الـمخرجة ساهرة درباس كيسين صغيرين من تراب الطيرة.. ثم رأيت، في الفيلـم فقط، فيلـم "حفنة تراب" أخي حسين مشلولاً بشلل نصفي يشم التراب، ويتلو وصيته، وصية أمي النافذة: تراب الطيرة تحت راسي في القبر بالـمنفى.. في مؤتمر مدريد 1991 سأل فيصل الحسيني زميلي الـمراسل أحمد عبد الحق: من أي بلد هو حسن البطل؟ من الطيرة! أي طيرة؟ طيرة حيفا.. التي طخ أهلها البحر! إنها الطيرة الكبيرة، طيرة الطيرات طراً.. لي الشرف الوطني أن جدي، عيسى البطل، كان قائد كتيبة "الكف الأسود" في ثورة عز الدين القسام (مات حسرة على ولده حسن أول الـمنفى في سيلة الظهر، قرب جنين). لي الشرف الفلسطيني أن أبي وعمي وأخويّ الكبيرين قاتلوا في حصار الطيرة، وأن أخي الأصغر سعيد ــ أبو مشهور (تسعة شهور في زمن الرحيل) سقط في بداية الثورة الـمعاصرة. من جميع الرجال الطيراوية عاد إلى أرض البلاد ثلاثة: أنا ومحمد ابن عمي "غير اللزم" ــ غزة، وهو جريح حرب بيروت، وابن الخال قائد جبهة التحرير الفلسطينية أبو العباس (محمد عباس). لـم أطلق على أحد طلقة واحدة، خلاف الطخيخة الطيراوية زمن النكبة وزمن الثورة. سألني، في نيقوسيا، العام 1995، على هامش مؤتمر دولي، الجنرال الإسرائيلي ــ الـمستعرب متنياهو (ماتي) بيلد.. هل والدك حي! هل لدى أمك مفتاح البيت. علـمت أنه حارب ضد ثوارنا، لأنه ولد في مستوطنة "كريات موتسكين" شمال حيفا.. وصار نصير سلام فلسطيني ــ إسرائيلي، ونائباً عابراً في الكنيست. في عام النكبة الـ 50، روى أخي عبد الرحمن، في "الأيام"، قصة بطولة الطيرة، مزورة بخريطة وصارت شهادته جزءاً من كتاب عن طيرة حيفا، صدر عن جامعة بيرزيت. بعد أوسلو، توسل أخي أبو مصباح أن أسعى لعودته.. عبثاً كلفت الـمحامية نائلة عطية، والـمحامي صبري جريس بالتفتيش عن رقم هويته الإسرائيلية في "أرشيف الدولة".. وعبثاً كانت الـمحاولة. شاخ عميد العائلة، حسين أبو مصباح، ومات بعد سنة من شلل نصفي.. ثم موت سريري، وتحت رأسه حفنة من تراب الطيرة في مقبرة دوما قرب دمشق عن 81 سنة، أي أكثر بتسع سنوات من معدل عمر الفلسطيني. سامح الله العقيد بسام، رئيس استخبارات فلسطين في الجيش السوري (ربما سابقاً) لأنه كتب في سجلي: ممنوع إلى الأبد من دخول سورية.. جزاء وفاقاً لزلات قلـمي! ستنوب عن حضوري حفنة تراب نابت عن حضوري وفاة أمي.. وحفنات أخرى تنتظر موت عجائز الطيراوية في الـمنفى السوري. وأنا؟ سأقتبس من الربيع بن خيثم قوله: "لو فارق ذكر الـموت قلبي ساعة.. لفسد"!.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حياة حياة



GMT 19:47 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 19:45 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 19:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 19:39 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

GMT 19:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

السينما الإيرانية.. السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»!

GMT 19:34 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 19:30 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الصندوق؟!

GMT 19:27 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلاهما مُر

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل
 لبنان اليوم - غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل

GMT 13:59 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:41 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 09:34 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنظيم مكتب الدراسة وتزيينه في المنزل المعاصر

GMT 12:35 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

"تي باو" تطلق اللاب توب Tbook X11 الجديد

GMT 21:10 2021 الثلاثاء ,14 أيلول / سبتمبر

طنجة عروس شمال المغرب افضل وجهات شهر العسل لصيف 2021

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 19:09 2023 الأحد ,09 إبريل / نيسان

تنانير عصرية مناسبة للربيع
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon