حسن البطل
.. ولمن لا يروقه العنوان، يمكن استبداله إلى: محمد علي، طلعت حرب، جمال عبد الناصر. ثلاثة أهرامات، وثلاثة رجال قادوا نهضة مصر.
نحن نقول: القاهرة، والمصريون يقولون عنها مصر، كما يقول العالم دمشق، والسوريون يقولون الشام، والآن، سوف يبنون في القاهرة ـ مصر عاصمة إدارية جديدة، ومدنا أخرى جديدة، وهم باشروا ما يشبه قناة السويس جديدة.
نيويورك العاصمة التجارية لأميركا، وإحدى أكبر العواصم المالية العالمية، لكن واشنطن الصغيرة هي العاصمة السياسية. نقلوا عاصمة باكستان من كراتشي إلى إسلام آباد، وعاصمة البرازيل صارت برازيليا بعدما كانت ريو دي جانيرو.
في اليوم الثاني لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي العربي ـ الدولي، تعهد ممثلو 90 دولة وكبرى الشركات العالمية بعقود لبناء "مصر الجديدة" بقيمة ثلاث خانات من مليارات الدولارات (158 مليار دولار)، ومنها مشروع للعاصمة الإدارية الجديدة لمصر، بعيداً عن قاهرة الـ 25 مليون نسمة.
هناك، في أوروبا، من يقول: لا وجود للاتحاد الأوروبي دون دولة اليونان، جذر الحضارة الأوروبية، لسنا بحاجة، في العالم العربي، لمن يقول: لا وجود لعالم عربي دون مصر، ويقول الفلسطينيون إن لا وجود لدولة فلسطين دون غزة.. ودون القدس الشرقية عاصمة لها!
منذ جمال عبد الناصر، الباني الثالث لمصر، وهي تحلم بالوادي الجديد، والآن باشرت مصر مشروعاً عظيماً لجعل الشريان المائي العالمي لقناة السويس شرياناً اقتصادياً أيضاً، أي "وادي جديد" ثالثا!
محمد علي الكبير، الباني الأول لمصر الحديثة، جعل الفجوة بين مصر وأوروبا أقل من سنوات جيل، أمّا الاقتصادي المصري طلعت حرب فهو الباني الثاني لمصر البنوك والشركات.
الآن، "دور يبحث عن بطل" أي دور الرئيس عبد الفتاح السيسي ليكون الباني الرابع لمصر الجديدة؟ عاصمة جديدة وقطراً جديداً. إنه القائد العسكري ـ السياسي الرابع لمصر الجمهورية.
كان تأميم القناة وسد أسوان العالي، ومصانع حلوان أبرز مشاريع الباني الثالث لمصر: جمال عبد الناصر، وعندما كانت مصر، أول ثورة يوليو 1952 من 25 مليون إنسان، ولما صارت مصر في ثورتي "الربيع العربي" 87 مليونا لم تعد كهرباء السدّ العالي تكفي، ولا إنتاج مصر من النفط والغاز يكفي، ولا شبكة المواصلات الحديدية والاسفلتية تكفي.
ما الذي تغير من مصر الناصرية إلى مصر السيسي؟ كان محمد حسنين هيكل يجمل مشاكل وتناقضات العالم العربي بالعلاقة العكرة بين "دول الثورة" و"دول الثروة" أي بين دول المركز العربي (مصر ـ سورية ـ العراق) ودول المال والثروة (دول الخليج العربي).
الآن، صارت دول الثروة هي المركز العربي المالي والإعلامي والثقافي والسياحي أيضاً، وهي التي تقدم في شرم الشيخ معظم العقود لبناء مصر الجديدة.
بدلاً من أن يذهب المال الخليجي للتبذير وإلى بنوك ومشاريع في أوروبا وأميركا ودول العالم، فإنه سيذهب، أيضاً، إلى الاستثمار في "مصر الجديدة" لتنهض من هذا الخراب العربي!
كم تخلق مشاريع شريان القناة الجديد، الاقتصادي والعمراني السكاني من فرص العمل، ومشاريع بناء مدن جديدة، وطرق جديدة، ومشاريع لا حصر لها هذا هو المهم! ستنخفض البطالة إلى 10% من القوى العاملة.
مع ذلك، فقد كان لمؤتمر شرم الشيخ جانب سياسي، حيث حضر المؤتمر وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، في إشارة ذات مغزى في العلاقات التي تعكّرت بين القاهرة وواشنطن بسبب "انقلاب" قائد الجيش على حكم الإخوان المسلمين.
فلسطين حضرت برئيسها، والأردن حضر بملكه، وليس للبلدين ما يقدمانه في "العير" لنهضة مصر، لكن لمصر وأميركا والأردن وفلسطين ما تقدمه لعضوية عربية في "الرباعية" الدولية، لانتشال وتسريع "حل الدولتين".. وهذا هو الهامش السياسي الإقليمي لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي العربي ـ الدولي.
الرئيس السيسي سيحكم سنوات، ومشاريع بناء "مصر الجديدة" تتطلب سنوات أكثر، ولذا أصرّ السيسي على اختصار مشروع القناة الجديدة في السويس من أربع سنوات إلى سنة واحدة.
يقول الرئيس السيسي إن أمن الخليج هو "خط أحمر" مصري، وتقول دول الخليج إن إعمار مصر هو "خط أحمر" اقتصادي لبناء الركيزة المصرية وانتشالها من خراب الربيع العربي!