حسن البطل
ماذا في الكفة الثانية للميزان التقليدي؟ الكفتان الإسرائيليان ديموغرافيتان. الأولى عن سكانية أرض فلسطين ـ إسرائيل من النهر إلى البحر، والثانية سكانية دولة إسرائيل.
درجت العادة على القول إن دولة إسرائيل ذات شعبين قوميين: اليهود والفلسطينيين، لكنهم في إسرائيل يتحدثون عن أشكناز وسفاراد، عن صهاينة علمانيين ويهود متدينين؛ عن متدينين أصوليين حريديين (أتقياء) غير صهيونيين ومتدينين قوميين صهاينة.
الجيش هو البوتقة والمصهر، لكن أقلية من الشعب الفلسطيني العربي و»الشعب الحريدي» اليهودي تذهب للبوتقة هذه، ويترتب على ذلك خلل متزايد في القوة الاقتصادية الراهنة، وخلل كبير في النجاعة الاقتصادية المستقبلية.
اليهود شعب قديم. البعض يفضل القول: دين قديم، لكن الصهيونية الإحيائية العلمانية قدّمت تعريفاً للشعب يقول: كل مجموعة بشرية تعرّف نفسها شعباً فهي شعب.. وهذا خلاف عامل «الإرادة» في النظرية القومية الألمانية، وعامل الثقافة واللغة في النظرية الفرنسية.
دولة إسرائيل، اليهودية ـ الصهيونية، هي دولة شابّة نسبياً، ولها من العمر 67 سنة، لكن ثمة تغييرات في الكفّة الديمغرافية ـ العرقية تهدّد إسرائيل بـ «الإفلاس» الاقتصادي في عقود قادمة، مداها نصف قرن من الآن.. والسبب؟
سيشكل الشعب الفلسطيني هناك، خلال نصف قرن، 23% من سكان الدولة، أمّا الأصوليون اليهود (الأتقياء) غير الصهيونيين فإن نسبتهم من السكان ستصعد من 17% إلى 27%.. والمجموعتان معاً ستشكلان 50% من إجمالي السكان بعد نصف قرن. هل هناك دولة عربية تخطط لنصف قرن مقبل؟
في حين أن الفلسطينيين «فقراء قسراً» حسب توصيف افتتاحية «هآرتس» 2 حزيران، أي «مفقرون» بفعل سياسة التمييز ضدهم، فإن الأصوليين مفقرون طوعاً، لأن شعارهم «توراته عمله» ومدارسهم لا تعلم أطفالهم المواضيع الأساسية (اللغة والعلوم) فهم متعطلون باختيارهم، أو يعملون في مهن متردية ذات أجر بسيط.
الصهيونية هي، أيضاً، «العمل العبري» إضافة إلى الخدمة الإلزامية في الجيش، والقوة الاقتصادية ليست التكنولوجيا وحدها أو «الهاي تك»وإسرائيل متقدمة فيهما.
في تقرير البنك المركزي الإسرائيلي مؤشر إضافي وهو أن الإسرائيليين فوق سن الـ65 سنة سترتفع نسبتهم من 10% إلى 17% (الفلسطينيون عموماً نسبتهم في هذا السن لا تتعدّى الـ 3%).
الحكومة الحالية في إسرائيل، تراجعت عن خطط لحثّ الأصوليين على دخول سوق الإنتاج المجدي، أو «توزيع العبء» في الجيش والاقتصاد.
كانت دولة إسرائيل ترى في الشعب الفلسطيني خطراً ديمغرافياً، ثم خطراً ديمقراطياً.. والآن هناك من يقترح رفع التمييز الاقتصادي عنهم، ومنحهم مرتبة مواطنين متساوين، لأن هذا سيفيد الاقتصاد الإسرائيلي. هذا ممكن.
لكن، الأصعب هو وقف التمييز الإيجابي لصالح الأصوليين في الميزانيات الحكومية ومنه تمويل مدارس تعليم أصولية لا تعلم مواضيع أساسية لدخول سوق العمل.
إسرائيل لم تدرك بعد، سن الشيخوخة، التي أدركتها دول أوروبية واليابان والصين وروسيا.. إلخ حيث تقل نسبة الولادة عن 2.1% لكل زوجين، ومن ثم تزداد الحاجة إلى استيراد قوة عاملة شابة لتحريك فروع الاقتصاد الأساسية وإعاشة نسبة المتقاعدين العالية باطراد.
نسبة الازدياد العامة في إسرائيل هي 2.5% ولدى الفلسطينيين هي 3.5% وقد تتراجع النسبة الفلسطينية مستقبلاً لأسباب اقتصادية وثقافية، لكن نسبة الشباب عالية في فلسطين حالياً.
الازدياد اليهودي أعلى ما يكون لدى الأصوليين اليهود، الذين يزدادون حتى أكثر من الفلسطينيين، وبخاصة في المستوطنات اليهودية الأصولية. هذا يفسر كيف أن المستوطنات هي «مفارخ ديمغرافية يهودية»، لأن الحكومة تقدّم إعانات للعائلة ذات الطفل الثالث والرابع والخامس، بما يكفي الزوجين عن العمل والاكتفاء بالإعانات.
المهم، أن إسرائيل تخطط ديمغرافياً واقتصادياً على مدى عقود نصف قرن، وهي تواصل الحديث عن «الخطر الوجودي» الديمغرافي والديمقراطي والاقتصادي.. وبالطبع السياسي وبخاصة العسكري والدبلوماسي.
كفّت إسرائيل عن الحديث عن «خطر وجودي» من الدول العربية والجيوش والحركات المسلحة غير النظامية، لكنها تتحدث الآن عن «خطر وجودي» من العزلة والمقاطعة، ومن b d s والأكاديميا الدولية والأبرتهايد.. إلخ.