عبُّود وقصته مع الحرب

عبُّود وقصته مع الحرب

عبُّود وقصته مع الحرب

 لبنان اليوم -

عبُّود وقصته مع الحرب

حسن البطل

للفتى عبُّود ابن صديقي عامر قصة واقعية ومؤسية. بعد مسيرة الـ 20 ألفاً من الأمعري إلى قلنديا، قال عبود لأبيه عامر (عبد الله على اسم جده الشيوعي): طاولة لعب ورق الشدّة نقصت اثنين يا أبي؟!
كان الفتى ووالده في تلك المسيرة الكبرى، التي لم تشهد لها رام الله مثيلاً من قبل. كان خوف عامر على ابنه أكبر من خوفه على نفسه، كما قال لي.
سقط صديق "عبُّود" الفتى محمد الأعرج شهيداً في موقعة قلنديا، وكان صديقه الفتى نديم نوارة سقط شهيداً أمام معتقل عوفر، في المظاهرة الشهيرة يوم النكبة.. وهكذا قال الفتى عبُّود لوالده عامر: يا أبي شلة لعب ورق الشدّة الرباعية تبحث عن اثنين آخرين!
"عبُّود الأزعر" كما يطلق عليه والده، طبيب الأسنان، هو فتى لمّاح وشديد الذكاء ونبيه في دراسته، بحيث حصل على منحة لمدة عام في الولايات المتحدة، وتخرج هذا العام بدرجة الامتياز في امتحانات التوجيهي، وسيدرس علوم الكمبيوتر في الأردن.
عندما عدتُ، بعد أوسلو، حللت ضيفاً لليلة واحدة على صديقي عامر، وكان لعبُّود من العمر سنة وقليل، وضحكنا في الصباح عندما صرخ الوالد من عضّة صغيرة في ربلة ساقه، وقال: للأطفال في سن التسنين أسنان منشار!
يقولون، في الروايات وفي الأفلام، إن "الأبطال يموتون صغاراً" والفتية من جيل "عبُّود" ونديم نوارة ومحمد الأعرج يشكلون نصف الشعب، أما جيلي أنا، فوق سن الـ 65، فهو يشكل لا أكثر من 3% من عديد الشعب. أشعر بالخجل عندما أكتب!
أثناء حصار بيروت 1982 كان عليّ كتابة عمود يومي لجريدة "فلسطين الثورة" وسألني زميلي اللبناني طلال همداني: يا حسن لمن تكتب؟ هذه الجريدة سوف يلفُّون بها أرغفة الخبز من "أفران فتح"!
لم يكن الشاب أحمد، الذي يعمل في مقهى رام الله، قد ولد في العام 1982، إنه يدرس للماجستير في العلوم السياسية ـ جامعة بيرزيت. نتحدث سويّة عن الفارق بين شروط فيليب حبيب، الوسيط الأميركي لخروج القوات الفلسطينية، وبين شروط جون كيري لهدنة من 12 ساعة، تليها "فترة تبريد" من سبعة ايام. إنه يصغي جيداً.. لكن له موقفا مختلفا عن موقفي.
كيف لي، وأنا معدود كواحد من 3% من شعبي أن أجد لغة مشتركة مع مواطن شاب ينتمي إلى 50% من عديد الشعب. ربما عليّ أن أتقاعد عن الكتابة!
هدنة الـ 12 ساعة تنتهي الثامنة من مساء أمس، فإن صمدت، دون خروقات جدّية، ستليها تهدئة وتبريد من سبعة أيام، هي عملياً "هدنة العيد".
حتى آخر نيسان المنصرم، وانتهاء مهلة التفاوض لتسعة شهور، كانوا في إسرائيل يتحدثون عن النار في دول الجوار، وتحدث الأميركيون عن ترك الطرفين ينضجان في مائهما.. وسرعان ما صارت النار في الدار، وعاد كيري في دور يشبه دور فيليب حبيب عام 1982، لكن ليس لخروج القوات من بيروت، بل لوقف النار في فلسطين ـ إسرائيل.
مع افتراض أن هدنة إنسانية من 12 ساعة ستؤدي إلى تهدئة وتبريد من سبعة أيام، سيتم انتشال مزيد من الضحايا الفلسطينيين، الذين قد يزيدون على الألف أكثر من ربعهم أطفال، ومن نصفهم مدنيون. لمرة أخرى، سيتحدثون على برنامج إقليمي ـ دولي لإعادة إعمار غزة، لكن المطلوب هو حل سياسي يربط غزة بالضفة، ويربطهما معاً في حل سياسي.
على السلطة الفلسطينية، بانتظار مفاوضات حول الدولة، أن تطالب ليس فقط بممر آمن بين الضفة وغزة، بل برصيف خاص في ميناء حيفا، وأيضاً بمدرج خاص في مطار اللد لسفر الفلسطينيين، ولو عن طريق ربط مطار قلنديا بمطار اللد. نحن الشعب الوحيد الذي "يسافر" كي يسافر!
10 آلاف طن ألقيت على غزة، و1000 ضحية، وجولة حربية ثالثة، وحوالي 40 جندياً إسرائيلياً قتيلاً.. وفي المحصّلة، ليس صحيحاً أن فلسطين لم تعدّ المسألة المركزية في الصراع، كما يدّعي الإسرائيليون بعد "الربيع العربي".
مرّة أخرى، لا أحد يتحدث عن موازين القوى، ولا عن معادلة الخسائر البشرية في جانبي الصراع.. بل نتحدث عن توازن صعب آخر هو توازن في صراع إرادات سياسي، جعل فلسطين القضية المركزية لإسرائيل، وإسرائيل القضية المركزية للفلسطينيين.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبُّود وقصته مع الحرب عبُّود وقصته مع الحرب



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon