كتاب المراثي كليم الرواية الفلسطينية

كتاب المراثي كليم الرواية الفلسطينية

كتاب المراثي كليم الرواية الفلسطينية

 لبنان اليوم -

كتاب المراثي كليم الرواية الفلسطينية

حسن البطل

في البدء كانت «الكلمة» وفي الختام تكون الكلمة؛ والكلمة هنا بمعناها العظيم؛ أي «لوغوس» ولعلّ منها «الكليم».
  وليس فقيدنا أميل حبيبي أكبر من الكلمة، ولكن إزاء جلال الموت يليق الصمت أول ما يليق. فماذا تراني أقول، وقد نقل إلي زميل لي قبل 48 ساعة سلامات هاتفية من «أبي سلام» وهو على سرير موته؛ أو وقد دخل سياق الموت، أو حضره الموت؟

  هل رأيته دخل سياق الموت، فودّعته في عدد الجمعة من «الأيام» الصادر 9-2-1996 وهل نعيته في عدد الجمعة الرابع من نيسان، عندما أشرت إليه في السياق وفي العنوان «نفعنا الله بعلمه، وقلت: يُسأل الإنسان بين أيدي الديّان عن ثلاثة : ماله وكيف أنفقه. عمله وماذا عمل به.. وعلمه وبماذا نفّع الناس فيه؛ وأن العرب إذا حمدت رجلاً كبيراً أو ترحّمت عليه، قالت : «نفّعنا الله بعلمه»؟
ولقد شكرني «أبو سلام» على المقالتين؛ وجاهيّاً عن الأولى؛ وهاتفياً عن الثانية، فكبر في نفسي - وهو الكبير - لأن المثقّف العربي يرتبك أمام حقّ الموت؛ ولأن العرف الاجتماعي يستهجن حديث موت إنسان قبل حَدَث موته.

.. غير أن أبا سلام، على خوفه الإنساني المشروع أمام سؤال الموت، كان رحب الصدر. فلأحكي عن رحابة صدره ورحمة أبوته المعنوية.
ذات يوم زارنا «أبو سلام» مصطحباً رفيقه مائير فلنر في مكاتب «فلسطين الثورة» بنيقوسيا. وبسبب غياب نائب رئيس التحرير، وجدت نفسي كمدير للتحرير، ملزماً بواجب كلمة الترحيب. فأشرت في سياقها إلى ضرورة تخلي «حداش» عن «عنعنة» حملاتها على «الحركة التقدمية».. فما كان من أبي سلام إلاّ وتصرّف كأنّه ربّ البيت، وتولّى المترجم الى العبرية نقل تقريعه القارس لي على مسامع الرفيق فلنر. فسكتُّ احتراماً لأبي سلام، أباً معنوياً، وضيفاً عزيزاً، لكنني انكمشت في اجتماعه ومساجلاته مع الأدباء والصحافيين مساء ذات اليوم.. فلمّا انصرفت غير مودع ٍ إيّاه، انتهرني بحب كبير، واحتضنني سائلاً مني الصفح على قسوته... وطالباً من المصور تسجيل ذلك «الاحتضان»! قال :»بدي صورة مع البطل»!

  .. وهكذا يجوز أن يخطئ «الأب» أميل ويصيب «الابن حسن» بدلالة معطيات الصوت العربي الحالية وخارطته.
وأما آخر عهدي بأبي سلام فكان عصر يوم اجتماع المجلس التشريعي في رام الله، عندما أطللتُ مصادفة على مكاتب «مشارف» فإذا به ينتهرني مرحباً: «أين أنت يا وغد..» ثم قام من فوره - ذاوياً متثاقل الخطو - ليشهد المجلس... فتذكّرت كيف قام من فوره أيضاً - بقوة أكبر قليلاً - ليزور أقرب قلم اقتراع في الانتخابات التشريعية.. كان يريد ان يرى مطلع الفجر الفلسطيني.

  ليس أبو سلام أقرب الناس إليّ؛ ولستُ بداهة من أعزهم على قلبه. ولست صاحب «قلم سيّال» كما ادعى محمد حمزة غنايم، فجرؤت على نعي أبي سلام في حياته... غير أنّني أعترف بأنه واحد من آبائي الفكريين، مذّ قرأت «سداسية الأيام الستة « فقارعت بها النقّاد بدمشق ولست بناقد.. الى فكرة روايته عن المهندس يحيى عيّاش التي لم يقوَ على إنجازها.. ولكنني لم أقوَ على انتزاع «المملحة « من يده في مطعم البردوني.. لأنني أردت له أن يعيش ليس فجر الاستقلال فحسب، ولكن فجر القرن الأول من الألفية الثالثة. مداعباً إيّاه بأن «نوبل» ستكون من نصيبه .. إذا «صمد» حتى طلوع ذلك الفجر.
   ها هو «الغروب» إذن.. لأن الإنسان لا يرحل لكن يغرب، فبعد الغروب شروق. وقد أهدى أبو سلام للرواية الفلسطينية شيئاً أسلوبياً يؤسس عليه، أسلوباً أصيلاً بلغة أصيلة عن واقع أصيل.. وبنفس روائي أصيل. قبله كانت الرواية الفلسطينية «ابنة أكثر من أب»؛ فصار أباها الشرعي.. فهو كليم الرواية الفلسطينية.
  إلى من أنعي آخر الروّاد؛ روّاد الانبعاث الفلسطيني في الجليل الفلسطيني؟

   إلى رفيقه إحسان عبـّاس الذي لم يلتقه منذ النكبة؛ وإلى رفيقه محمود درويش، الذي كان ليلة موت أميل حبيبي يتحدّث في مكاتب «الأيام» عن لهفته للقيا أبي سلام.
  أهو «الموت الفلسطيني» صنو «العرس الفلسطيني»؟!.. لا يصل الحبيب الى الحبيب إلاّ شهيداً.. ولا يصل الصديق الى الصديق إلاّ ميّتاً؟
  ليس «جهينة» أكبر من «الكلمة « فكلمة الموت تقطع خطبة الحياة.. لكنه أكبر من كلماتي. هو الأكبر مني، وأنا كبرت به، بقلمه... بنضاله، فهو واحد من آبائي الفكريين، ولكنه الأب الفكري والروحي للزميلة سهام داوود وهي أكثرنا «تيتّماً الآن.
  ذوى أبو سلام جسداً.. غاب، وأهدانا ظلّه العالي والطويل.. إلى الأبد.  

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي كليم الرواية الفلسطينية كتاب المراثي كليم الرواية الفلسطينية



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:17 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
 لبنان اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
 لبنان اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon