لـغـلـغـة

"لـغـلـغـة"

"لـغـلـغـة"

 لبنان اليوم -

لـغـلـغـة

حسن البطل

العصفور "يُسَقْسِق" إذا كان مُتعلّماً، و"يُزَقْزِق" إن كان أمّياً، أو يلفظها الإنسان الفصيح باللسان العربي الفصيح، غير ما يلفظها الإنسان البسيط باللسان العربي الدارج؟
هل لفظ الحرف درجة أولى لفصاحة: الكلمة، اللسان، اللغة .. فنصاعة الفكرة، فقوّة الحجّة؟
على الحرف تُبنى الكلمة، وعلى الكلمة الجملة، وعلى الجملة الفكرة، وعلى الفكرة المقولة، وعلى المقولة النظرية، وعلى النظرية الثقافة، وعلى الثقافة .. الحضارة. يقولون : "صراع حضاري"، لكن العلامة نعوم تشومسكي يجد في الألسنية (اللغويات) مدماك الحضارة الإنسانية المشتركة!
ما هي المشكلة؟
في الهيروغليفية رسموا الكلمة صورة تجريدية؛ وفي العربية رسموا حرف الكلمة تجريدياً. حرف اللام شكل طرف اللسان في سقف حلق الفم. حرف الواو شكل تكوير الشفاه. حرف القاف شكل انقباض الحنجرة.. الخ! كلمة "شلال" رسمٌ صوتي لحرفي الشين واللام، بناء على صورة الشلال في الطبيعة، ونطق حرف العين تقليد صوتي الحنجرة لشكل العين ذاتها.
لعل الألوان، في العربية مثلاً، ذات جذر يتعلق بلون الوجه في حالات انفعاله المختلفة: احمرّ وجهُه (خجلاً). اصفرّ وجهُه (مرضاً)، ازرق (اختنق) اسودّ، ابيضّ.. الخ، وقد يكون العكس هو الصواب: اصفرت اوراق الشجر، وبعد نار الحرب هناك السواد لون الخراب.. ووجه العار!
تعرفون كيف يتبدل المعنى وينقلب إلى ضده بمجرد تقديم حرف على حرف، أو تبديل نقطة، حذفاً أو زيادة، أو استبدال حرف بحرف (عزف عن الشيء، أزف الوقت..الخ).
اللعب باللغة وعلى اللغة شائع في كل لغات الانسان، وبعض اللعب يقود الى ويلات ودواهٍ، مثلاً: في قصة كتابه "غرناطة" يذكر أمين معلوف، كيف أن يهوديّاً أندلسيّاً انقلب على دينه (أو أتمّه) فأسلم، وصار ينهي كل عبارة له بـ "أستغفر اللّه"، وهو الذي شجّع آخر ملوك غرناطة على ركوب رأسه والذهاب إلى معركة خاسرة، بعد أن دأب على النَّيْلِ من رَجَاحَة عقل شخصية عربية قرشية تُكنّى "أبا عَمْرو"، فقلبها "أبا خمر"، لمجرد أن ذلك العربي راجح العقل، طالب أمير المؤمنين بالتروّي والجنوح نحو السلام!
اللعب على اللغة قديم في المسألة العربية - اليهودية، حتى نزلت الآية 301 من سورة البقرة : "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم". لهذه الآية قصة تروى (واللّه أعلم)، ومفادها أن عبد اللّه بن سلام كان يهودياً وأسلم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمع، في حضور ابن سلام، من بعض كبار اليهود توسّلاتهم: "راعنا يا أبا القاسم". إن كلمة "رَع" تعني رديء، أو سيّئ في العبرية القديمة والحديثة. لكن في العربية العامية الحديثة هناك "راعينا" بمعنى حميد.
سنحمل إرث الجذر المشترك للغات السامية، وسيطل برأسه في ثنايا كلمات عبرية - عربية مشتركة. ومع ان علاقة الدالّ بالمدلول مشكلة المناطقة والفلاسفة، لكنها مجال للغو في اللغة، ولتوظيف اللغة في الصراع.
مثلاً: من بين كل معاني كلمة "قطع" ومرادفاتها، ومنها كلمة "المقاطعة" في رام اللّه، اختارت الصحافية اليمينية آمونة ايلون، جذر كلمة قطع؛ بمعنى قطعة عسكرية، اي ان "المقاطعة" قلعة عسكرية ..الخ!
القناة الفضائية الإسرائيلية، كثيرة المطبّات الفنيّة، واللغويّة (والسياسيّة بالطبع). اثناء الحصار الاخير للمقاطعة، ملأت الشاشة خرائب المقاطعة، ومعها عبارة : "قصر عرفات"، ثم جرى تصويبها الى "مقر عرفات". هذه سهوة، أو ان السهوة زغللة بصر وزلة لسان تفصح عن مكنون النفوس؟
من جانبنا، لا ندّخر اللغو السياسي، بالغرف من اللغو اللساني.. لنصل الى لغو فارغ، مثل: قلب الصحافة المصرية لكلمة نتنياهو وتقسيمها الى مقطعين "نتن" و"ياهو". جذر كلمة "نتن" (مع لفظ دقيق) هو: أعطى، وهب. ويقول اللسان العامي الفلسطيني: "انطيني، نطيني" بمعنى اعطني. وبذلك، فإن نتنياهو هو "عطا اللّه"، او "عطيّة اللّه". هل كان الخليفة "المستنصر باللّه" تقياً، او "المعتزّ باللّه" كان متواضعاً.. ليس بالضرورة!
القرآن الكريم، كما هو معروف، ليس كتاب تاريخ او جغرافيا. هناك "قصص" لتكون "عبراً": "نحن نقص عليك أحسن القصص".
لكنْ، مستشرق يهودي قاده الهوى، انطلاقاً من كون "العهد القديم - التوراة" كتاب تاريخ وجغرافيا (في زمانه ومكانه)، فاستنتج ما يريد من غياب كلمة "القدس" في القرآن الكريم. حسناً، لماذا لم يستنتج الصهاينة من ورود كلمة "فلسطين" و"الفلسطينيون" في التوراة إلا انكارهم لوجود البلد والشعب!!. لكن، اذا وردت عبارة في القرآن "يا بني اسرائيل" مرات عديدة، فإن بعض المستشرقين سيفهم منها ما يريد.
يقودك اللغو في اللغة الى ذات اليمين وذات الشمال. لغة. لغو.. شتان بين "القول" و"القلقلة" في اللسان وفي الفكر. لكن "لغلغة" الكلام (والنحت من عندياتي) يعني اكثر من "الغمغمة" و"التأتأة"، فهو خلط بين صحيح الكلام وهذره واللغو فيه.
"اللغلغة" (اللغو في اللغة) موضوع شائك - شائق .. وله صلة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لـغـلـغـة لـغـلـغـة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon