حسن البطل
«كلام الليل يمحوه النهار».. فهل يمحوه حقاً؟ كلام صناديق الثلاثاء يمحو كلام استطلاعات يوم الاثنين.. فهل تمحوها حقاً؟
ملاحظة أولى: الفوارق الأيديولوجية أضحت فوارق سياسية، وهذه صارت فوارق شخصية. قد لا تجدون خمسة فوارق أيديولوجية، ولا أربعة فوارق سياسية (كما في لعبة تسلية بين رسمتين) لكنني أجد ثلاثة فوارق شخصية بين بيبي وبوجي.
ملاحظة ثانية: لا أرى كبير أهمية في فوارق عدد المقاعد بين ائتلاف صهيوني يقوده اسحاق هيرتسوغ، وآخر ائتلاف قومي ـ ديني يقوده بنيامين نتنياهو، بل بعض الأهمية في فوارق مقاعد الحزب الأكبر ومقاعد الائتلاف الأكبر.
ملاحظة ثالثة: هذه انتخابات تتنافس فيها قوائم 16 حزباً أيديولوجياً أو سياسياً أو شخصياً (فقاعات).. فكم حزبا سيبتلعه «ثقب أسود» هو نسبة الحسم الجديدة 3.2%؟
الملاحظة الثالثة أراها مهمة، لأن «كلام الاستطلاعات» الذي يسبق «كلام الصناديق» قال إن ثلاثة أحزاب لن تجد مقاعد لها في الكنيست 21.
الأهم من هذا، أن خطر تلاشيها يشمل حزبين يمينيين هما «إسرائيل بيتنا» القومي العنصري برئاسة ليبرمان، و»ياحد» الديني ـ الشرقي المنشق عن «شاس»، برئاسة إيلي يشاي، وهما حزبان شخصيّان.
الحزب الثالث المرشح للتلاشي هو حزب «ميرتس» الصهيوني اليساري، وهو الحزب الوحيد الصهيوني المختلف أيديولوجياً وسياسياً عن باقي الأحزاب الصهيونية.
هذه الأحزاب الثلاثة إمّا تحرز 4 مقاعد، وإمّا لا تحرز مقعداً واحداً، وفي الحالتين فإن خارطة تحالفات الأحزاب الكبيرة سوف تتغيّر ضد الليكود إن اختفى حزبا ليبرمان ويشاي، وضد الائتلاف الصهيوني إن اختفى «ميرتس».
أشعر بغصّة مزدوجة إن اختفى «ميرتس». لماذا؟ لأنه حزب يضم شتات ثلاثة أو أربعة أحزاب يسارية صهيونية، هي: «مبام» العريق (حزب عمال إسرائيل) الشريك السابق لحزب «العمل» وحزب «شينوي ـ التغيير» و»حركة حقوق المواطن ـ راتس».. وحتى حركة «شاحار» بقيادة يوسي بيلين الذي تركها لاحقاً.
هذا حزب إسرائيلي يهودي ـ عربي، وأدخل أول نائب ـ امرأة عربية إلى الكنيست وكان بيضة القبّان بمقاعده الـ 12 في حكومة اسحاق رابين الأوسلوية 1992، وهو الآن، حسب كلام صريح لرئيسته زهافا غالئون، يقاتل دفاعاً عن حياته.
جانب من الغصّة أن سقوط «ميرتس» المحتمل سيكون سببه رفض القائمة المشتركة توقيع اتفاق فوائض الأصوات معه، وهو اتفاق يخدم القائمة العربية أكثر من «ميرتس» التي في قائمتها العربية مرشح فلسطيني يقول إنه ليس صهيونياً.
رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، انصاع، رغم مشيئه، إلى رأي بعض أحزاب القائمة التي ترفض أي اتفاق فوائض صوت مع حزب صهيوني حتى لو كان ـ يسارياً ـ واجتماعياً، وبرنامجه السياسي قريبا من برنامج السلطة الفلسطينية وشروطها لـ «حل الدولتين».
حتى قبل أسابيع من يوم الاقتراع، كان ميزان الاستطلاعات تتقلّب كفتاه بين الليكود والائتلاف الصهيوني، ثم صارت تتقلّب بين بيبي وبوجي، ثم انقلبت لصالح بوجي، لكن ميزان الائتلاف الأكبر بقيت كفّته تميل لصالح تحالفات حزب الليكود.. إلاّ إذا أسفر «كلام الصناديق» عن مفاجأة فوارق أكثر من ستة مقاعد لصالح الائتلاف الصهيوني، بما يشكل إغراء لجذب أحزاب تميل حيث يميل الهوى والمصالح.. والحقائب الوزارية طبعاً.
من الذي سيرجح إحدى كفّتي الميزان غير المزايا الشخصية لزعيمي الحزبين الأكبرين؟ إنه ثلاثة أحزاب تتنافس على «مفاجأة» الحزب الثالث، وهي القائمة المشتركة، و»يش عتيد» الذي كان مفاجأة الانتخابات السابقة (توقعوا له 13 مقعداً فأحرز 19 مقعداً) و»البيت اليهودي» برئاسة بينيت.
ما الذي يعني فلسطينيي السلطة من هذا؟ لقد محا بيبي «كلام الليل» في جامعة بار ـ إيلان عن دولة فلسطينية مقيّدة بشروط إسرائيلية، وقال إن دولة فلسطينية لن تقوم إذا شكل حكومته الرابعة، بينما يقول «بوجي» إنه سيفاوض السلطة على «حل الدولتين».
إن أي مفاوضات جديدة على «حل الدولتين» لن تكون كسابقاتها لأن الوضع الدولي للسلطة الفلسطينية تغيّر بقبول الجمعية العامة دولة فلسطين عضواً مراقباً، ولأن الاعترافات الدولية ـ الأوروبية خصوصاً سوف تزداد في حال فوز الليكود؛ ولأن الولايات المتحدة راهنت على قبول الليكود «دولة فلسطينية» باعتبار أن حزباً يمينياً يفاوض على قبولها سوف يحظى بدعم المعارضة.
المعنى؟ الفوارق ليست طفيفة في الموضوع الفلسطيني وإن بدت كذلك.. ومن ثم فإنه إذا الميزان مال لغير صالح الليكود فإن مفاوضات جديدة قد تثمر هذه المرة.