بقلم : حسن البطل
كان زميلي الغزي رمضان العصار، المحرر السابق في "فلسطين الثورة" مغرماً بتكرار مفردة "الاستعصاء" في مقالاته. ولعلّ مفردته أحسن تعريب للعبارة الفرنسية col – de – sac، التي تعني ربطة عنق الكيس، أو "عنق الزجاجة"، أو زقاق بلا مخرج!
ذكرتني مقالة زميل آخر في المجلة، هو حسين حجازي، ولكن في آراء أيام السبت، بأن عمري الصافي المهني، أكبر بثلاث سنوات لا غير، من طرح هنري كيسنجر مقترح "المؤتمر الدولي" في العام 1975.
المبادرة الفرنسية لمؤتمر دولي، آخر الشهر المقبل، وعشية شهر النكسة الحزيرانية الـ49، تعني أن عمر الفكرة صار 41 سنة، والعام المقبل سيكون يوبيل حرب النكسة، أو الاحتلال الإسرائيلي.
هل تاه المؤتمر الدولي سنوات تكافئ أسطورة تيه موسى في صحراء سيناء، أو أن هذا المؤتمر مثل "دقّ الماء وهو ماء".
لما اقترح فكرة المؤتمر الداهية كيسنجر، أو "العزيز هنري" كما كان يناديه أنور السادات، كانت غايته استبعاد م.ت.ف.
في وقت لاحق، التقطت موسكو السوفياتية الفكرة، وصاغتها على النحو التالي "حضور الأطراف المعنية كافة وعلى قدم المساواة، أي باشتراك م.ت.ف.
ما الذي استجدّ على "دقّ الميّ وهي ميّ"؟ بعد قيادة الجنرال الأميركي شوارزكوف، حرب "تحرير الكويت" من الغزو العراقي، حضرت م.ت.ف مؤتمر مدريد تحت مظلة أردنية وشخصيات فلسطينية "مستقلة" عن عضوية فصائل م.ت.ف.
لمّا طرح "العزيز هنري" الفكرة كان مضمونها هو معادلة "الأرض مقابل السلام".. والآن، فإن مضمونها صار "الحل بدولتين" أي إقامة دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل القائمة.
تذكرون ما قاله اسحاق شمير بعد أن أجبره الوزير الأميركي جيمس بيكر على حضور مؤتمر مدريد الدولي: سنفاوض أربعين سنة.
ها قد مرّت أربعون سنة على مقترح كيسنجر، الذي "فوجئ" باتفاق أوسلو، ووبّخ إسرائيل عليه، لأن مضمونه هو إقامة دولة فلسطينية ستكون خطراً على إسرائيل.
كانت "رباعية مدريد" مثل "دقّ الميّ" لسلام فلسطيني ـ إسرائيلي سواء بمفاوضات مباشرة، أو بمفاوضات غير مباشرة قادها، كمحاولة أخيرة كما قيل وقتها، الوزير جون كيري مع مشروع أميركي، سار خطوتين ثم تعثّر بعد نكوص نتنياهو عن إطلاق سراح أسرى ما قبل اتفاق أوسلو.
في البداية، اختاروا جنيف للمؤتمر، ثم عقدوه في مدريد، والآن تقترح باريس انعقاده فيها، بعد توسيع "الرباعية" عدّة أضعافها (حوالي 20 دولة).
من فكرة كيسنجر للمؤتمر، إلى فكرة موسكو، إلى فكرة بيكر في مدريد، والآن فكرة باريس صارت هناك مظلة دولية لفكرة "الحل بدولتين" واعترف العالم بفلسطين كحقيقة سياسية، لكن ليس بعد كحقيقة سيادية.
خلالها تمادى الاستيطان اليهودي إلى درجة خلق وقائع تجعل من المتعذّر الانتقال الفلسطيني دولياً من الحقيقة السياسية إلى السيادية.
رسمياً، رفضت إسرائيل، على لسان نتنياهو، مؤتمر باريس الدولي، كما ترفض أي فكرة لوجود دولي لحماية الشعب الفلسطيني، سواء عَبر الأمم المتحدة، أو قوات أطلسية وحتى أميركية، وكل ما جرى هو تشكيل رجال مراقبة في الخليل تحت اسم TIPH لا يقدمون ولا يؤخرون شيئاً.
من أجل رفع "الإحراج" عن واشنطن وافقت السلطة على تأجيل تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن حول الاستيطان، وهو أكثر اعتدالاً من مشروع نقضته واشنطن عام 2011، وكذلك لدفع واشنطن إلى تأييد الفكرة الفرنسية.
تلقت واشنطن نسخة رسمية عن المقترح الفرنسي، دون أن تحدّد موقفاً منه، حتى بعد أن حدّدت إسرائيل موقفاً سلبياً قاطعاً فيه.
من أجل جسّ نبض واشنطن من المقترح الفرنسي، سيعقد مجلس الأمن اجتماعاً غير رسمي هذا الأسبوع لبحث حماية دولية للفلسطينيين تحت الاحتلال، لكن استجابة الدول الأعضاء في مجلس الأمن كانت ناقصة استجابة واشنطن.
فرنسا تريد من مؤتمرها الدولي أن يدمج بين "الحل بدولتين" ومشروع السلام العربي، ليقدم إلى مجلس الأمن في "الوقت المناسب" أي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
هناك، إذاً، ما يشبه عدم ممانعة أميركية من المشروع الفرنسي، لكن مع ممانعة إسرائيلية، وأيضاً، ممانعة أميركية لقرار من مجلس الأمن حول الاستيطان اليهودي.
صحيح، أن الأمور تغيّرت، لكن فكرة المؤتمر الدولي تبقى مثل "دقّ الميّ وهي ميّ".
ألف ـ ألف مبروك !
استوقفني إسراف فلسطيني في التهنئة الواجبة البسيطة بكلمة "مبروك" حيث يكرّرها البعض بألف مبروك، وآخرون بألف ـ ألف مبروك، أي مليون مبروك.
ذكّرني هذا بنداءات قيادة الانتفاضة الأولى، حيث كانت النداءات تنتهي بعبارة "التحية ـ كل التحية" سواء لـ "تجّارنا البواسل" أو لأسرانا في السجون الإسرائيلية.
هناك، كذلك عبارة "حسبي الله ونعم الوكيل" أو كلمة "منوّر" على صورة شخصية غير جميلة في المواقع الاجتماعية على الفيسبوك!
"إنها سورية"
إلى حلب "الهول الآن" وأقتبس من د. فضل عاشور قوله إن هذه "حرب لن ينتصر فيها أي سوري أبداً، فقط ستنقرض سورية، ونحن سننقرض معها. فهذه ليست دولة عربية عادية.. إنها سورية".