خمس سنوات تقريباً بين منح فلسطين عضوية كاملة في «اليونسكو» 31ـ10ـ2011، وقرار إحدى لجان المنظمة في 13ـ10ـ2016 حول إسلامية المسجد الأقصى.
عندما قبلت «اليونسكو» عضوية فلسطين دولة ـ مراقبا، قبل سنوات، وكأول مسعى فلسطيني لعضوية منظمات للأمم المتحدة، قامت أميركا بتجميد دفع حصتها في ميزانية «اليونسكو».
هل يكون قرار هذا الشهر «عتبة» لصعود دولة فلسطين في الجمعية العامة من دولة ـ مراقب إلى دولة كاملة العضوية.
في ردّ فوري على القرار، ادعى نتنياهو أن نفي علاقة إسرائيل بما دعاه «جبل الهيكل» هو كإنكار علاقة الصين بسورها العظيم، ومصر بأهراماتها. هذه مقارنة مغلوطة، لأن صلة الصين بسورها ومصر بأهراماتها، لم تنقطع قرابة ألفي عام بين ما تعتبره إسرائيل «الهيكل الثاني» لأن الأول كان افتراضياً ـ عقلياً، وما تعتبره أنها دولة «الهيكل الثالث» منذ قيامها 1948.
لا يقل ركاكة ادعاء مسؤول إسرائيلي، ردّاً على بدء نقاش في مجلس الأمن، أن المستوطنات ليست لبّ الصراع. لماذا؟ لأنها لبّ مشكلة «الحلّ للدولتين»!
حتى أميركا سفّهت تصريح نتنياهو بأن إخلاء المستوطنات بمثابة «تطهير عرقي» لليهود في «يهودا والسامرة»، ولا مقارنة أو مشاكلة أو مشابهة بين بقاء الفلسطينيين في دولة إسرائيل، ومستوطنات «غير شرعية» في الضفة الغربية حسب القانون الدولي.
في خطوة عملية، علقت إسرائيل تعاونها مع «اليونسكو»، كما سبق وعلقت أميركا مساهمتها في ميزانيتها، ثم عادت عن التعليق حتى بعد منح «اليونسكو» فلسطين عضوية دولة كاملة.
قرار «اليونسكو» حول المسجد الأقصى تحدث، أيضاً، عن العودة بأوضاعه إلى ما قبل أيلول 2000. هذا يعني العودة بأوضاع الضفة إلى ما كانت عليه قبل ذلك التاريخ، أي إلى وقف الاحتلال انتهاك مناطق السلطة (أ. ب) وتضخّم أعداد المستوطنين أكثر من 40%.
هل ستعود إسرائيل عن تعليقها التعاون مع «اليونسكو»، إذا أقرّت «اليونسكو» في اجتماعها العام وجهة نظر المديرة العامة البلغارية ايرينا بوكوفا، التي ترى حقوقاً متساوية للديانات الثلاث في القدس، ومنه أن الحرم القدسي هو، أيضاً، «جبل الهيكل» وجداره «أقدس مكان في اليهودية»، خلافاً لقرار «اليونسكو» أنه جدار ملحق بالمسجد الأقصى؟
كانت إسرائيل قد رحّبت بتولّيها رئاسة اللجنة القانونية في الجمعية العامة، يوم 14ـ6ـ2016 وانتخاب سفيرها السابق في واشنطن، المتطرف والمقرب من نتنياهو، داني دانون، رئيساً لأول لجنة دولية، في حينه وافقت على القرار 104 دول، من بينها 4 دول عربية؟
إسرائيل تشكو مما تسميه «إرهاباً دبلوماسياً» فلسطينياً، لكن لبن غوريون نعتاً قاسياً للأمم المتحدة برمّتها، وهو «أ و م ـ شموم» أي «أمم متحدة فارغة»، مع أنها قبلت عضوية إسرائيل فيها قبولاً مشروطاً على غير عادتها في قبول الدول، أي مقروناً بحق العودة وبقيام دولة عربية في فلسطين.
من حواشي الصراع السياسي ـ الدبلوماسي الفلسطيني مع إسرائيل، زيارة وفد من المحكمة الجنائية الدولية لفلسطين وإسرائيل هذا الشهر، زيارة استطلاعية لتثقيف الجانبين بإجراءات المحكمة، حسب تصريح السيدة فاتوا بن سودا، مدعي عام المحكمة (من غامبيا).
أيضاً، من حواشي قرار «اليونسكو»، اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن، بعد يوم من القرار، لمناقشة الاستيطان اليهودي في دولة فلسطين، حيث تحدّث مندوبو بريطانيا وفرنسا ونائب المندوب الأميركي عن مشاعر القلق من تأثير تمادي الاستيطان على مشروع «الحل بدولتين» إما الاستيطان وإما الحلّ بدولتين، حسب تعبير المندوب الأميركي وما سبقه من مسؤولين.
بما أن الجلسة غير رسمية، فقد شارك فيها مندوبون للمجتمع المدني الدولي ونشطاء سياسيون، كان أبرزهم مدير عام منظمة «بتسيليم» (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان) حجاي إلعاد، الذي حثّ مجلس الأمن على التحرك لإنهاء احتلال سيدخل عامه الخمسين وقال: «الآن هو الأوان».
هل يقدر رئيس اللجنة القانونية، الإسرائيلي داني دانون، على إقناع مجلس الأمن بقانونية الاستيطان اليهودي؟ أم أن نتنياهو يستطيع، عَبر اتصاله بالرئيس الأميركي باراك اوباما، إقناعه ألا تدعم واشنطن مشروعاً فرنسياً في مجلس الأمن، بعد مؤتمر باريس الدولي المقرر قبل نهاية العام الجاري؟
كيف لواشنطن أن تدأب على إدانة كل مشروع استيطاني جديد، ولكنها تحول دون صدور قرار من مجلس الأمن بواسطة «فيتو» وحيد؟
في هذه الحرب السياسية ـ الدبلوماسية بين فلسطين وإسرائيل، سوف تتسلّح فلسطين بقرار «اليونسكو» حول المسجد الأقصى، وبدء إجراءات قانونية ـ استطلاعية لمحكمة الجنايات الدولية، وبنقاشات مجلس الأمن غير الرسمية، وبخاصة شهادة مدير عام «بتسيليم» للتقدم، مرة أخرى، بمشروع قرار إلى مجلس الأمن حول الاستيطان وتطبيق المشروع الدولي حول «الحلّ بدولتين» وكذا بقرارات المؤتمر الدولي في باريس.
إذا استخدمت واشنطن «الفيتو» مرة أخرى وثالثة ورابعة، سوف تلجأ فلسطين إلى قرار من الجمعية العامة تحت بند «متّحدون من أجل السلام» لنقض «الفيتو» الأميركي في مجلس الأمن، كما فعلت أميركا لنقض «الفيتو» السوفياتي على تدخل عسكري تحت علم دولي في الحرب الكورية مطلع خمسينيات القرن المنصرم.
من حكمة مدير «بتسيليم»: «ما سأقوله لا أقصد منه إثارة صدمتكم، وإنما التأثير فيكم: على مدار السنوات الـ49 الماضية، والعدّ ما زال مستمراً. أصبح الظلم المسمّى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والسيطرة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس الشرقية جزءاً من النظام الدولي. نحن على وشك إتمام نصف القرن الأول تحت وطأة هذا الواقع». «على مجلس الأمن أن يتحرك. والآن هو الأوان»!