بقلم - حسن البطل
يُحكى أن فاتحاً حاصر حاضرة، فخرج إليه سحرتها ومعهم حبل كثير العقد. قالوا له: حل هذه العقد، فتكون المدينة ملك يديك. ما كان من الفاتح إلاّ واستلّ سيفه البتّار، وقطع حبل العقد.. ورؤوس السحرة، أيضاً.
العقدة الفلسطينية عقدتها القدس، وهل يجوز القول إن المستر ترامب شهر سيف "الصفقة" وضرب به عقدة القدس؟
الضربة ليست البتّارة لو أنه قال: القدس عاصمة دولتين، لكنه قال: اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن وضعها النهائي خاضع لتفاوض مباشر، غير متكافئ!.
إن تعامل ترامب مع عقدة العقد المقدسية كأنها "عقار"، فقد نظر رئيس دولة إسرائيل الأسبق، عيزر وايزمان، إلى "عقار" الأرض المحتلة، وقال: "أولاد العم يقسمون العقار بالتراضي"!.
التراضي الفلسطيني صار صنو التراضي الدولي، أي وفق الشرعية والقانون الدولي، بما فيه قرار مجلس الأمن 2334.
الاسم الكودي لـ"خارطة الطريق" أوضحه الرئيس بوش ـــ الابن بـ"حل الدولتين"، وزاده توضيحاً بأن الكتل اليهودية خاضعة للتفاوض لترسيم الحدود بين الدولتين، أي التقسيم الجديد الثالث!.
في حيثيات قرارات مجلس الأمن، يسوق الفلسطينيون القرار 242 لعام 1967، علماً أنهم لم يكونوا طرفاً في صدوره. السبب: يتحدث عن انسحاب من "أراض" محتلة، إلى "حدود آمنة ومعترف بها" لإسرائيل.
ضمناً، وافقت السلطة الفلسطينية على مبدأ تعديلات طفيفة، متساوية ومتكافئة، لخطوط حرب العام 1967، أي دولة فلسطينية "على حدود" ذلك العام وليس وفقه، لكنها أصرّت على القدس عاصمة لها. "لا دولة دون القدس الشرقية، ولا دولة دون قطاع غزة".
توجّس الفلسطينيون قبل الاعتراف الترامبي بالقدس عاصمة لإسرائيل، لأنه قال إن المستوطنات ليست هي المشكلة، فالتقطت إسرائيل هذا القول، وأعلنت على لسان نتنياهو أن كل تسوية أو حل نهائي لن يشمل إخلاء أي مستوطنة، سواء خلف جدار الفصل أو قدّامه.
لاحقاً، التقطت إسرائيل الاعتراف الترامبي بتشريع من الكنيست يجعل أي تفاوض حول تقسيم القدس منوطاً برفع مصوّتي الكنيست من غالبية عددية بسيطة 61 إلى 80 عضواً، أي بغالبية الثلثين.
قبل هذا التصويت كانت حكومات إسرائيل تقول بقدس إسرائيلية جغرافياً، والآن صارت تقول بقدس ذات غالبية ديمغرافية يهودية كاسحة، بطرح أحياء وقرى فلسطينية من "القدس الإسرائيلية"، وضم مستوطنات وكتل يهودية إلى "القدس اليهودية".
في الواقع، أن قدس ذات غالبية يهودية كاسحة، كان اقتراحاً من المعارضة العمالية، ومن حاييم رامون بالذات، لأن بقايا "الجناح الصهيوني" الغابر لا يريد دولة ثنائية القومية، ولا يريد، بالتالي، عاصمة لها تجعلها ثنائية القومية.
قرار تعديل "قانون أساس ـ القدس عاصمة لإسرائيل" على أن تكون ذات غالبية يهودية كاسحة، يكمله قرار ليكودي بالإجماع سبقه بضم المستوطنات والمستوطنين فيها إلى إسرائيل، وهو إجراء لم تكن تجرؤ عليه هذه الحركة التي تقود ائتلاف الحكومة اليمينية الحالية، لولا أن المستر ترامب يرى أن "المستوطنات ليست المشكلة". "الليكود" يريد "شفط" أصوات "البيت اليهودي". أخطر ما في ضم المستوطنات هو ضم "معاليه أدوميم" إلى "القدس اليهودية" وفق مشروع E1 (أي يروشلايم 1) الذي يغلق القدس أمام "حل الدولتين" وكذا حلّ "عاصمة للدولتين".
كانت الإدارات الأميركية السابقة، وخاصة إدارة أوباما، تقول إن المستوطنات هي المشكلة وأن ربط "معاليه أدوميم" بالقدس يسد كل حل نحو "حل الدولتين" ونحو "القدس عاصمة لدولتين".
كان رابين، شريك أوسلو، يتصور كياناً فلسطينياً "اقل من دولة" وضم 10 ـ 11% من الضفة إلى إسرائيل، مع سيادة أمنية إسرائيلية على الغور، و"القدس الإسرائيلية" عاصمة لإسرائيل.
الآن، مع قرار "الليكود" ضم المستوطنات، وقرار الكنيست بتحصين التفاوض حول مستقبل القدس، فإن المعنى من الإجراء الأول هو إرضاء حزب "البيت اليهودي" الذي يطالب بضم المنطقة (ج)؛ والمعنى من تعديل "قانون أساس ـ القدس عاصمة لإسرائيل"، وإخراج أحياء فلسطينية من مجالها الجغرافي هو إرضاء الجناح الصهيوني، الذي يرى في دولة ثنائية والقدس عاصمة لها تكون ثنائية القومية ما يهدد إسرائيل الديمقراطية اليهودية مستقبلاً.
"صفقة" ترامب تعني كياناً فلسطينياً على نصف الضفة أو أكثر قليلاً، أي المنطقتين (أ) و(ب) وبعض المنطقة (ج).
هذا هو التقسيم الثالث الأميركي الجديد لـ"العقار"، بعد تقسيم "لجنة بيل" البريطانية 1937، والتقسيم الدولي 1947، وهو خلاف تقسيم "الحل بدولتين" أي دولة فلسطينية على 22% من أرض البلاد.
كان هناك مشروعان إسرائيلي ـ أميركي للتقسيم في كامب ديفيد 2000، وكان جائراً، ثم كان هناك مشروع أولمرت للتقسيم وكان أقلّ جوراً، لكن مشروع "الصفقة" الترامبية للتقسيم الثالث هو الأكثر جوراً من مشاريع التقسيم السابقة كلها.
لم يصدر أي تعقيب أميركي على قرار مركز "الليكود"، وقرار الكنيست حول القدس، وهذا لا يعني أكثر من موافقة ضمنية من إدارة ترامب.
السلطة ردّت على خطاب اعتراف ترامب، وكذا مجلس الأمن والجمعية العامة، لكن قرار مركز "الليكود" والكنيست هو بمثابة "إعلان حرب" بدءا من "يناير الكبير" بعد "ديسمبر الكبير". أمامنا السنة الأصعب!