في الدقيقة الأولى من العام الميلادي الجديد، سأعيد قراءة قصيدة درويش: «حجر كنعاني في البحر الميت».
على هذه الأرض ولد التأريخ الميلادي. صدفة مقصودة في التأريخ، اختارت «فتح» غُرَّة العام 1965 لبداية ميلاد جديد فلسطيني، في الألفية الثانية.
ما هو موقع الأحوال من حول إلى حول؟ من عام مضى، فات، انصرم، إلى عام مقبل؟ إخواننا التوانسة يقولون: «العام الفارط» وفيه كان مُتمّم شهوره، أو «مُوفّاه» هو «ديسمبر الكبير».
بعد حرب أكتوبر 1973، وحتى توقيع معاهدة كامب ديفيد المصرية ـ الإسرائيلية، كتب عميد الصحافة المصرية، محمد حسنين هيكل عن لماذا «لا نناطح» أميركا، «التي تملك 99% من أوراق الحل» كما قال السادات؟
في «ديسمبر الكبير» من «العام الفارط» ناطحت فلسطين وباطحت أميركا في مجلس الأمن، والجمعية العامة، وفي شوارع فلسطين أولاً.
قلتُ: سأقرأ، من جديد، في بداية العام 2018: «حجر كنعاني في البحر الميت» لأن إسرائيل قادمة من أساطير الأوّلين ما قبل التأريخ الميلادي، وفلسطين الناهضة كذلك.
«تاريخنا تاريخهم. تاريخهم تاريخنا.. لولا الخلاف على مواعيد القيامة» وفي العقد الثاني من الألفية الثالثة يوجد خلاف مع أميركا وإسرائيل على مواعيد قيامة فلسطين دولة.
العام 2017 فرط من «ديسمبر الكبير» إلى «يناير» الجديد ومعه فرط رهاني وصديقي أحمد عبد الحق، عندما توافقنا، بعد أوسلو، على أن فلسطين الدولة ستقوم في العام 2017؟
قال الشاعر: «ساعة الميلاد قلّدتني» فهل كان يعني ليلة الميلاد، أم ميلاد سنة جديدة في أرض الميلاد، أم كان يعني ميلادا فلسطينيا جديدا بدأ يوم 1ـ1ـ1965؟
التقط زميلي أحمد يعقوب من الأرشيف البريطاني صورة طلب للجنسية الفلسطينية كان قد تقدم به شمعون بيريس إلى سلطات الانتداب البريطاني. قالت غولدا مائير: «لا يوجد شعب فلسطيني؛ لا توجد فلسطين.. أنا فلسطينية»!
في آخر «ديسمبر الكبير» نشر موقع NBA الخاص ببطولات كرة السلة الأميركية، اسم «فلسطين» فاحتجت إسرائيل، كما احتجت على قول ربان شركة طيران أوروبية للركاب: أنتم الآن فوق فلسطين.
في الكتاب السنوي «فلسطين الثورة، مطلع عام 1982 أعددت ملفاً بعنوان: «فلسطين حقّ اليوم»، وحقيقة غداً».
الحقّ من الحقيقة، و»للحقيقة وجهان» وفي ديسمبر الكبير من العام الفارط، ثار لغط آخر بين الثقافي والسياسي الفلسطينيين عن بيان المثقفين العرب حول إعلان ترامب. البعض رأى في البيان انحيازاً من الثقافي العنيد للسياسي، أي للحقيقة السياسية الراهنة، وعاكسه رأي ثقافي ينحاز للحق التاريخي الفلسطيني!
لم أُوقِّع على بيان الـ400، ولا على تعديله الطفيف أو البالغ، لأن السياسي ثقافي وبالعكس، كما كتب زميلي حسن خضر مُعَقِّباً، ولأن «الثقافي» سبق واختلف مع «السياسي» حول برنامج النقاط العشر المرحلي للعام 1974، ثم حول أوسلو، وحول موقع الكفاح المسلح من النضال السياسي بين هذا وذاك، والآن حول حل الدولتين أو الدولة المشتركة!
قبل أوسلو، كان عرفات يشكو «الزمن العربي الرديء»، وها نحن مع مطلع العقدين الأول والثاني من الألفية الثالثة مع زمن عربي بالغ الرداءة، وفوقه زمن إسرائيلي رديء، وأميركي، أيضاً، وفلسطيني بالانقسام.
مع ذلك، فإن فلسطين التاريخية صارت، بعد أوسلو، هي مركز العمل الفلسطيني في مختلف وجوهه: السياسية، الديمغرافية، الثقافية، وايضاً في حركته الشعبية.. لا مستقبل للفلسطينيين في الشتات العربي.
«ما أضيق الأرض التي لا حنين فيها إلى أحد» وقد يكون الحنين إلى صلاح الدين، أو ناصر، أو صدام حسين، أو حتى ياسر عرفات» قد يكون الحنين إلى الانتفاضة الأولى، أو الكفاح المسلح.. إلغاء أوسلو، وحل السلطة!
هناك من يرى خلافاً بين «نبض» الانتفاضة الأولى، ونبض الانتفاضة الثانية.. لكن «نبض» الثالثة حمل ثلاثة رموز: المُقْعَد إبراهيم أبو ثريا، والفتى الجميل فوزي الجنيدي، والفتاة عهد التميمي.. وأقل ما يمكن من الضحايا.
لا أعرف من قال ونقل عنه صديقي خالد درويش: ممالأة الشارع أخطر من ممالأة الحاكم، أي ممالأة العوام قد تكون أخطر من ممالأة السلطة، التي تحدّت أميركا وتتحدّى إسرائيل.
كان الهاتف الأرضي وسيلة اتصال في الانتفاضة الأولى، ثم البريد الإلكتروني في الثانية، والآن هناك «الفيسبوك».. هذا مثال عابر!
فلسطين حقيقة جغرافية، والآن حقيقة سياسية، وأما الحقيقة السيادية فهي موضوع الساعة والأيام والسنوات والعقود المقبلة!
«الأنبياء كلهم أهلي، لكن السماء بعيدة عن أرضها..» إلى متى؟