أهمّ ما في عدد "الأيام"، أمس، هو تصريح وزير خارجيتنا، رياض المالكي، وفيه أفصح عن بعض خطوات فلسطينية لاحقة ومتوقعة لقرار مجلس الأمن، وعن بعضها الآخر قال "نحن لا نريد أن نكشف أوراقنا مرة واحدة، وسنتعامل مع الموضوع بشكل تدريجي".
تعرفون سُلّم درجات "ريختر" التسع الزلزالية، فحتى الدرجة الثالثة لا أضرار في المباني ولا ضحايا، لكن بين الدرجتين السابعة والثامنة يختلف الأمر، ويؤدي زلزال قوي إلى كوارث في البرّ، وموجات مد عالية "تسونامي" في البحر.
سُلّم درجات قرارات مجلس الأمن هي سبع درجات أقصاها البند السابع، وأدناها "بيان رئاسي" من المجلس، وأوسطها التنديد والإدانة بغالبية الأصوات الـ15 (للدول الدائمة الخمس والسنوية).
القرار الجديد 2334 صدر وفق البند السادس، لكن رفعه للبند السابع، وبموجبه شن تحالف دولي ـ عربي حرب "عاصفة الصحراء" لإخراج الجيش العراقي من الكويت، هو كالفرق بين درجات سُلّم ريختر الزلزالي، وفيه أن قوة زلزال بدرجة 6.1 ودرجة 7 هناك عشر درجات ثانوية.
في الخيال، أن يجيز قرار جديد، وفق البند السابع، استخدام القوة ضد دولة إسرائيل لكنه قد يتيح الانتقال من عقوبات دولية على منتوجات المستوطنات، إلى عقوبات دولية على دولة إسرائيل، إذا لم "تجمّد" أو تنفك عن مشروعها الاستيطاني في أراضي دولة فلسطين.
كانت إسرائيل السياسية الرسمية، تميز بين قرارات الجمعية العامة، حيث "الأغلبية الآلية" التي يتمتّع بها الفلسطينيون، وقرارات مجلس الأمن التي تصدر بغالبية أصوات الدول الأعضاء، وتلك التي يمنعها "الفيتو" الأميركي عن الصدور بالإجماع.
كان "الفيتو" الأميركي المزمن قد استخدمته واشنطن، للمرة الأخيرة، عام 2011 لنقض مشروع قرار حول الاستيطان، وهو بمثابة مظلة سياسية دبلوماسية تشبه حزامي "فان ألن" اللذين يزنّران طبقات الجوّ العليا، ويمنعان أشعة شمسية مهلكة من الوصول إلى سطح الأرض.
مع امتناع أميركا عن نقض مشروع القرار الجديد، الذي صدر عملياً بالإجماع، صارت شرعية تمنحها إسرائيل للاستيطان، بلا حماية دولية من هذا "الفيتو" الوحيد.
يقول وزير خارجيتنا: "لن نكشف أوراقنا مرة واحدة، وسنتعامل مع الموضوع بشكل تدريجي". الولايات المتحدة الممتنعة عن "الفيتو" كشفت بعض أوراقها، وقد تميط اللثام عن أوراق ضغط أخرى، إذا عرض وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ما يشبه خريطة طريق مفصّلة ومبنّدة لـ "حل الدولتين"، أمام مؤتمر باريس الدولي منتصف الشهر المقبل.
على الأرجح، من المبكر أن يعلن كيري اعتراف بلاده بفلسطين، كما طالب الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، إدارة الرئيس اوباما، لكن باريس قد تحمل قرارات 70 دولة (ثلث دول العالم) إلى مجلس الأمن، وسيكون القرار أعمق وأشمل من قرار دولي ضد الاستيطان؛ أي قرارا دوليا بتأييد أن حلّ الدولتين يعني قيام دولة فلسطينية.
في بداية جهود فرنسية لعقد مؤتمر دولي، لوّحت باريس بالاعتراف بفلسطين، لكن بعد مؤتمر الشهر المقبل، ستلوح دول رئيسية في العالم ودول مجلس الأمن الدائمة، بالاعتراف بفلسطين... ولا بأس أن تمتنع واشنطن، مرة أخرى، عن التصويت لصالحه، أو قد تكون المفاجأة الأميركية صريحة بالتصويت لصالحه.
قد ترفض إسرائيل تجميد الاستيطان، وقد ترد على قرار التجميد بضم جزئي للأراضي الفلسطينية، كما يطالب البعض في إسرائيل، وبالذات الوزير نفتالي بينيت، زعيم "البيت اليهودي"، كخطوة تصعيدية للوصول إلى الضمّ الكامل للضفة الغربية.
وفق البند السابع، أجبر العالم العراق على الانسحاب من الكويت بالقوة المسلحة، لكن قوة الشرعية الدولية قد لا تحتاج مع إسرائيل للقوة، بل للعزل والنبذ كما أُجبرت حكومة بريتوريا العنصرية على التخلي عن السيطرة البيضاء.
في بداية التصويت، سحبت مصر المشروع، فشعرت السلطة والشعب الفلسطيني بخيبة الأمل، لكن مع انضمام نيوزيلندا إلى ثلاث دول من اربع قارات، وتمرير أميركا المشروع، شعرت إسرائيل بوجع الضربة، وكان الفرق أن السلطة الفلسطينية كظمت خيبتها، وأمّا الحكومة الإسرائيلية فاتهمت أميركا بخذلانها، واتهم رئيس حكومتها، علناً، رئيس الإدارة الأميركية المنصرمة بالتخلي عن إسرائيل.
يقول الوزير بينيت إن دولة فلسطينية تشكل خطراً على إسرائيل، لكن إدارة أوباما قدمت لأمن إسرائيل من المال والسلاح ما لم تفعله أي إدارة سابقة.
انهارت سياسة الادعاء الإسرائيلية بأن فلسطين لم تعد قضية مركزية للعرب، وعلى انشغال العرب بحروبهم، والعالم، أيضاً، تأكدت حقيقة أن فلسطين قضية مركزية لإسرائيل... وللعالم، أيضاً، بما فيه الولايات المتحدة.
إسرائيل تراهن على إدارة ترامب، لكن هذه الإدارة لن تستطيع إجبار الجمعية العامة ومجلس الأمن على إلغاء القرار الجديد، لأن هذا سيجعلها معزولة مع إسرائيل المعزولة.
صحيح أن هناك قراراً للجمعية العامة بإلغاء قرار سابق لها إدانة الصهيونية، لكن هذا تمّ بعد مؤتمر مدريد 1992 واتفاقية أوسلو بعدها، ولم يكن تمادي الاستيطان يهدد "حل الدولتين" الذي طرحته إدارة أميركية جمهورية.
قد لا يكون العام المقبل 2017 عام الدولة الفلسطينية، لكن قرار مجلس الأمن يعني أن نصف قرن على الاحتلال يجب أن ينتهي.
في ملف إيران النووي فشلت إسرائيل في فرض رؤيتها على أميركا والعالم، وها هي تفشل في فرض رؤيتها على أميركا والعالم حول الاستيطان و"الحل بدولتين".
كان بن ـ غوريون يقول: "قوة إسرائيل العسكرية، والغطاء الدولي لسياستها هما عماد سياستها ووجودها. إسرائيل أقوى عسكرياً بفضل أميركا"، ولكن الغطاء الدولي لسياستها لم يعد كما كان".
المصدر : صحيفة الأيام