بقلم : حسن البطل
يُقال: اللبيب من الإشارة يفهم. اللا الفلسطينية الثالثة ليست إشارة ثالثة. صدرت اللا الأولى القاطعة بعد ساعة من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ والثانية قبل أسبوع على الاقل، من إعلان الشق الاقتصادي للصفقة في مؤتمر المنامة المشهدي.. والآن، صدرت اللا الثالثة للشق السياسي قبل يوم من لقاء ترامب مع نتنياهو وغانتس، أو بالعكس.
السيد ترامب ليس لبيباً كما ليس بليداً، ولهذا فهم من اللا الثالثة الفلسطينية أن «ماكيت» الشق السياسي ينتظر أربع سنوات لتنفيذه، ولكن ليس في رئاسة أبو مازن، وإنما في فترة رئاسية ثانية لترامب إن نجح، أو رئاسة رابعة لنتنياهو إن فاز، أو رئاسة أولى لرئيس حزب الجنرالات، بني غانتس.. أو حكومة مشتركة!
لا بأس من العودة إلى الوراء ربع قرن سلطوي فلسطيني، حيث كانت (م.ت.ف) تحتاج لحضور مؤتمر مدريد إلى مظلة أردنية، ومشاركة وكلاء فلسطينيين باسمها.
بعد اللا الفلسطينية الثالثة صارت «صفقة القرن» هذه، تحتاج عربياً إلى مظلة قبول فلسطينية بها. قيل بعد أوسلو إن الفلسطينيين «خانوا» القضية المركزية لهم وللأمة العربية، فإن حصلت «الصفقة» على «فيزا» عربية يحق للفلسطينيين القول إن الدول العربية الشقيقة «خانت» نفسها وفلسطين معاً!
نعم، هناك فريق فلسطيني يفضل بدلاً من اللا الثالثة أن تضع السلطة جملة من التحفظات والاشتراطات، أي «نعم.. ولكن»، كما وضع شارون 14 شرطاً لقبول خطة الرئيس جورج بوش ـ الابن، وبخاصة حول إخلاء إسرائيل للبؤر والمستوطنات «غير الشرعية»، كما عطل نتنياهو خطة الرئيس أوباما التي تولاها وزير خارجيته جون كيري عام 2014.
نعرف أن التكتيك التفاوضي الإسرائيلي في المسألة الفلسطينية هو: لنعرض نحن، وليرفضوا هم نيابة عنّا، لكن إدارة ترامب انضمت إلى هذا التكتيك الإسرائيلي، منذ العام 2017، بإعلانها الخطوة الأساس في «الصفقة» حول مستقبل القدس، بمرسوم رئاسي أميركي.
هل نعود، أيضاً، إلى العام 2002 حيث استبعد حضور رئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات، من مؤتمر قمة بيروت الذي صادق على مبادرة السلام العربية كما طرحتها السعودية، وميزت بين السلطة التي كانت تخوض غمار انتفاضة ثانية مسلحة، وبين مركزية القضية الفلسطينية.. إلى أن صارت أميركا الترامبية تركب صهوة انهيارات «الربيع العربي»، وتبنّي وجهة نظر إسرائيل حول تحالف أميركي ـ إسرائيلي ـ عربي سنّي ضد ايران، فإعلان كوشنر الشق الاقتصادي للصفقة في عاصمة عربية.
بعد اللا الفلسطينية الثالثة تفكر واشنطن باستدعاء السفراء العرب لإطلاعهم على «الصفقة»، للموازنة مع قادة المستوطنات الإسرائيلية الذين قد يعارضون إخلاء بعض البؤر، كما يعارضون أن تسفر الصفقة، بعد أربع سنوات، حتى عن دولة فلسطينية هجينة على 70% من «فلسطين الجديدة»، تكون علاقتها بإسرائيل، مثل علاقة أميركا مع بورتوريكو!
مهّد الرئيس بوش ـ الابن لموضوعة «الحل بدولتين» بإعلانه «خارطة طريق» للسلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويبدو أن «صفقة القرن» التي سيعلنها الرئيس ترامب ستكون «خارطة طريق» يتم تنفيذها في الولاية الثانية له، وفي رئاسة نتنياهو لحكومة رابعة، أو رئاسة مشتركة مع الجنرال غانتس.. وانتظار رئاسة ثالثة للسلطة الفلسطينية بعد غياب أو استقالة الرئيس الثاني أبو مازن.
كم مرّة، مع كل مشروع سلام أميركي، قيل إنها الفرصة الأخيرة. الآن، يقول ذلك نتنياهو. قيل مثل ذلك بعد «كامب ديفيد 2000»، وأيضاً بعد مشروع أولمرت 2006، ثم بعد مشروع أوباما ووزير خارجيته جون كيري.
سأكرر سؤالاً من ثلاثة سألتها لمحمود درويش، لكن بصيغة أخرى. صيغة السؤال أصلاً: هل نحن قادرون، الآن، على وراثة إسرائيل؟ جوابه: كلا. صيغة السؤال الجديدة: هل إسرائيل قادرة على وراثة فلسطين؟
لما كانت (م.ت.ف) في المنفى وسط جاليات فلسطينية لاجئة كان السؤال: ماذا بعد حسم عسكري لوجود المنظمة؟ بعد السلطة لا مجال لسؤال حول حسم عسكري إسرائيلي للمسألة الفلسطينية، لأنها صارت وسط شعب هو شعبها، وعلى أرض هي أرضها، ولا تستطيع إسرائيل حسماً سياسياً، بعد أن عاد اسم المكان فلسطين، وصفة سكانها كفلسطينيين، حتى وإن ساعدتها الولايات المتحدة.
عرض الرئيس ترامب «صفقة العصر» لكن مع «شعوذات» سياسية تذكر بشيوخ من «كاشفي الغطا» .. وبمكر ثعلب ولؤم ذئب.
***
لم تكن أوسلو نوعاً من خيانة فلسطينية لعروبتها، بل كانت انحيازاً لوطنيتها.. الآن، .. هذا أوان الشدّ فاشتدّي.