بقلم - حسن البطل
العنوان أعلاه بين مزدوجيْن، لأنه عنوان مقالة قديمة عن انقراض الأنواع الجاري، بما فيها انقراض النوع البشري، جرّاء حرب نووية تبيده، فترث الأرض حشرات الدم البارد، كالعقارب والعناكب، التي ستغدو في حجم الديناصورات المنقرضة.
قبل نصف قرن، أقلّ أو أطول، رأيتُ فيلماً هوليوودياً عنوانه «فرسان القدر» يهدد فيه البشرية بفناءٌ نسبي، بالحرب، الطاعون، الجذام، الجفاف، الجراد، الطوفانات والسرطان.. إلخ.
صرتم ترون أفلاماً خيالية عن حروب الكواكب، وغزو مخلوقات لكوكب الأرض الأزرق المائي لأن الماء اختفى في كواكبها، وهي تريد استعمار كوكبنا الذي يتسيّده الإنسان البشري، أو تريد إنقاذ بعض البشر إلى كواكبها، كما فيلم «قريب من النوع الثالث» من خطر يتهدد الحياة البشرية بالفناء لمصادفاتنا أو دونها.
فإنسان الأرض يتنفس هواء ثلاثة أرباعه من الأوكسجين وثلاثة أرباع جسمه من الماء وثلاثة أرباع الكوكب بحار ومحيطات، ويحصل في فيلم آخر أن الغزاة القادمين من مجرات سحيقة يتنفسون هواء من الأزوت ومن ثم يحترقون إن تنفسوا هواء يحوي الأوكسجين.
في الأمثال: «إن البعوضة تدمي مقلة الأسد»، ملك الغاب. وفي غير الأمثال، إن الفيروسات تخوض حرباً وجودية مع الإنسان ملك الكائنات، ما إن يروض العقل البشري نوعاً حتى يتحوّر إلى نوع آخر من الفيروسات.
يتحدثون عن خطر احترار جو الأرض وذوبان الطبقتيْن الجموديتيْن. ماذا لو كانت جراثيم وفيروسات في سبات تحت كيلومترات من الجليد، لا قِبل للطب البشري بها.
يخلط الإنسان العاقل ـ المنتصب (هومو سابين) بين انقراض كائنات ونباتات بفعل بشري، وبين انقراض النوع الإنساني، وبين قيامته وقيامة كوكب الأرض، ثم بين فناء الأرض بنطحة من كوكب آخر، وانطفاء نجم الشمس بعد مليارات السنوات.
حسب العالِم ستيفان هوكنغ الراحل، أمام البشرية قرنان، قبل أن يصبح كوكب الأرض غير قابل للحياة، وعليه أن يهرب منها بجلده، إن استطاع أن يخرق سرعة الضوء، كما خرق سرعة الصوت.
تعرفون أن الحياة تتطور وتتقدم بعد كل كارثة كونية تضرب الأرض، وهي تتقدم بأسلوب «الطفرات».. لكن 99% من الطفرات يتم إلغاؤها.. لكن الفيروسات، بدورها، تقوم بطفرات إن أخمدها العقل البشري.
منذ نهاية السنة الماضية، ومع فيروس مستجدّ، يتعلم الطب البشري أبجدية فيروس جديد، وأسباب انتشاره السريع، والوقاية منه. قيل أولاً: إنه ينتقل برذاذ السعال والعطس، وإن على الإنسان أن يبتعد متراً ونصف المتر عن حامل العدوى المشكوك بإصابته.. لكن يُقال الآن: إن عليه الابتعاد تسعة أو عشرة أمتار.
قيل في البداية: للأطفال والشبّان مناعة معينة، وإن كبار السن هم الضحايا قبل غيرهم، كما كان يُقال قبل اكتشاف أسباب السرطان: إن فلاناً ما مات ميتة ربّه، ثم اكتشفوا في المومياوات أنه مرض قديم، وأنه يصيب الحيوانات، ولا يوفّر حتى نموّاً سرطانياً حميداً يصيب الثمار.
نعرف لماذا لوباء وجائحة «كورونا» اسم آخر هو «كوفيد 19» اختصاراً، فلماذا بعد إخماده لا يتحوّر إلى «كوفيد 21 أو 23»، أو كما يطلقون على تطور الطائرات الحربية لتصبح أكثر قدرة على المناورة والتسلل والتدمير معاً.
لما ضرب النوع البشري وباء مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) سرعان ما عرف الإنسان السبب، لكن لم يتوصل بعد إلى قطع دابره، وعندما ضرب وباء «كورونا»، كان علينا أن نعقّم الطاولات ومقابض الأبواب، وأن نتكمّم ونرتدي القفّازات.
يقولون عن الذي يموت «جاد بأنفاسه الأخيرة».. لكن كوكب الأرض يتنفس، أيضاً، وهكذا عندما تكمّم الإنسان، انحسر عن كوكب الأرض وباء تلوّث الجو، وتحسّنت رئة الأوكسجين في الكوكب.
حتى الآن، يقولون: إن هذه «الست كورونا» أو «السيد كورونا»، انتقل/ت إلى البشر عن طريق كائنات من الخفافيش والفئران التي كان تستضيف الفيروس وتعيش معه، وصاروا يقولون: إن العدوى يمكن أن تنتقل من البشر إلى القطط، فإذا ضاقت المسافة بين الخليّة الحيّة والجماد، وصار «كورونا» ينتقل من النبات إلى الإنسان.. «فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان».
اخترع الإنسان الكتابة، ثم اكتشف قبلها إشعال النار، والكهرباء، وتفليق الذرة.. لكنه لم يتوصل بعد إلى الانتصار على الأمراض، وقطع دابر الفيروسات بالمطهّرات والمعقّمات، وكلما روّض فيروساً وأخمده، انتفض الفيروس من سُباته، أو اكتسب تحويراً أدهى.
الأمر يشبه أسطورة «كعب أخيل» الذي عمّدته أمّه من خطر الموت بتغطيسه في الماء المقدس، لكن أمسكت بعقبه.. ذهب إلى الحرب، ومات بسهم مسموم أصاب عقبه.
ما بعد «كورونا» زمن بشري آخر، ومناعة مكتسبة أخرى.