بقلم - حسن البطل
العام 2014 أوصى مجلس العموم البريطاني حكومته بالاعتراف بدولة فلسطين. في العام 2015 فاز الزعيم اليساري جيرمي كوربين، برئاسة حزب العمال. في تشرين الثاني أدرج الحزب في برنامجه الانتخابي بند الاعتراف الفوري بدولة فلسطين. في 12 كانون الأول ستجري انتخابات برلمانية بريطانية، دعا إليها رئيس حكومة المحافظين، بوريس جونسون، لحسم مسألة وشروط الخروج من الاتحاد الأوروبي.
حكومة المحافظين لا تنوي، حتى الآن، الخروج من اعتماد الاتحاد الأوروبي المتكرر الالتزام بـ «حل الدولتين»، لكنها لا تنوي أن تكون الدولة الثانية، بعد السويد، في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
بين برنامج مؤتمر مدينة برايتون، أواخر تشرين الثاني، لحزب العمال، وبداية شهر كانون الأول، تقلّصت فرص فوز المحافظين على العمال من 12 درجة إلى 6 درجات خلال أسبوع واحد. تبدو فرص ثالث رئيس لحزب المحافظين الحالي بوريس جونسون، منذ استقالة ديفيد كاميرون من رئاسة الحزب والحكومة، بعد استفتاء «بريكست» في العام 2016، بالفوز في انتخابات كانون الأول، أكبر من فرص فوز حزب العمال، خاصة بالتحالف مع حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي لا يدعم حزب المحافظين في مسألة تأخير الاعتراف بفلسطين، رغم أنه الحليف الطبيعي لسياسة حزب المحافظين.
في المقابل، فإن حظوظ حزب العمال بالفوز برئاسة اليساري كوربين سوف تكون أوفر قليلاً بالتحالف مع الحزب الأسكتلندي وحزب الخضر في تصويتات مجلس العموم حول شروط الخروج في مجلس العموم القديم، وربما ما بعد انتخابات كانون الأول، وربما مسألة الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية.
كان كوربين، منذ انتخابه زعيماً لحزب العمال عام 2015، بدعم من أغلبية الحزب الشابة، قد لمح مراراً وصرح بموقفه من الاعتراف بفلسطين. لكن مسألة الاعتراف هذه لم تكن في برنامج الحزب الانتخابي، حتى مؤتمر مدينة برايتون، وفيه تحدث السفير الفلسطيني حسام زملط، الذي دعا الأحزاب البريطانية إلى الاقتداء ببرنامج حزب العمال الاعتراف بفلسطين.
حتى انتخاب كوربين اليساري زعيماً للحزب، كان معظم البريطانيين اليهود يرون في الحزب بيتاً لهم، لكن الاتهامات الإسرائيلية لكوربين أنه «لاسامي»، جعلت نسبة التصويت اليهودي له تنخفض إلى 6%، بينما صار نصف البريطانيين اليهود يلوحون بالهجرة من بريطانيا، خاصة بعد تصريح كبير الحاخامات، أفرايم ميرفيس بأن يهود بريطانيا يشعرون بالقلق من كوربين، الذي وصف اللاسامية بأنها «سم وشر» يجب اقتلاعه.
إسرائيل الرسمية لا توافق على التزام الاتحاد الأوروبي بـ «حل الدولتين»، وتريد لبريطانيا الانسحاب منه، وكذا انزعجت من موافقة حكومة المحافظين على وسم منتوجات المستوطنات.
مراراً، طالبت السلطة الفلسطينية بريطانيا بالاعتذار عن «وعد بلفور»، وهو ما رفضته لندن بإصرار، بل واحتفلت بذكرى صدوره، وصارت السلطة تطالب حكومات دول الاتحاد الأوروبي، بتنفيذ توصيات برلماناتها الاعتراف بفلسطين، كما فعلت السويد. كانت فرنسا قد لمحت إلى نيتها ذلك إبّان حكم الحزب الاشتراكي.
واضح أن «سيبة» الاتحاد الأوروبي من بريطانيا وفرنسا والمانيا، وأن الخروج البريطاني من الاتحاد، الذي تأجل مراراً، وصار مضروباً بموعد بداية السنة الجديدة 2020، قد يحرر بعض الشيء انتقال دول الاتحاد الرئيسية من دعم «حل الدولتين» إلى الاعتراف بدولة فلسطين.
على الأرجح، إذا فاز المحافظون بأغلبية بسيطة، وتشكلت حكومة «بريكست» بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الليبرالي، المؤيد للاعتراف بفلسطين، فقد تضطر حكومة جونسون إلى الاعتراف.
مثل هذا الاعتراف البريطاني يرعب إسرائيل، كما لم يحدث منذ بدأ الفلسطينيون «معركة أوروبا»، لأن إدارة ترامب ستجد نفسها وحيدة في سياستها المعادية لـ «حل الدولتين»، والمعادية للسلطة الفلسطينية، بل والشعب الفلسطيني.
برنامج برايتون لحزب العمال حول الاعتراف الفوري بفلسطين في حالة فوزه، يقلق إسرائيل جداً، لكن يقلقها، أيضاً، سياسة جديدة للحزب الديمقراطي في أميركا، خاصة من مرشحي الحزب لانتخابات العام 2020، وبالذات من الأميركي اليهودي بيرني ساندرز، أكثر المؤيدين لـ «حل الدولتين»، ولربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بالتزامها به.
حتى الآن، لم يقرر الحزب الديمقراطي الأميركي إدراج مسألة الاعتراف بفلسطين في برنامجه الانتخابي، لكن معظم الأميركيين اليهود دأبوا على التصويت للديمقراطيين.
الأغلب أن يفوز الرئيس ترامب بولاية ثانية لمدة أربع سنوات أخرى، لكن من المستبعد أن يقود الجمهوريون الجدد الأميركيون أكثر من فترتين انتخابيتين، استنفدوا في الولاية الأولى خطوات الانحياز لإسرائيل الليكودية.
إن حصل الاعتراف البريطاني، وتالياً، الأوروبي بفلسطين، فإن أميركا ستجد نفسها دون حلفاء في مواضيع المناخ، وإيران، والحروب التجارية.. والموضوع الفلسطيني، أيضاً.