بقلم : حسن البطل
كم منعطف اجتازته حركة احتفلت العام ٢٠٢٠، الذي يبدو سهل الحفظ، ويناسب اختياره لبطاقة الصراف الآلي، لكنه يصادف الانطلاقة ٥٥، ولدى إيقاده الشعلة وصفه الرئيس بأنه المنعطف الأخير.
الحركة التي انطلقت مطلع اليوم الأول من الشهر الأول للعام ١٩٦٥ كانت حركة فدائيين سرية، وفي الشهر الثالث من العام ١٩٦٨، مع معركة الكرامة، صارت حركة مقاومة شعبية ومسلحة علنية، ومعها بدأ الاحتفال البسيط بإيقاد شعلة الانطلاقة، خاصة في المرحلة اللبنانية، حيث كانت مسيرة المشاعل تجوب منطقة الفاكهاني وشوارع الطريق الجديدة في بيروت الغربية في الليلة الأخيرة من العام المنصرم.
في الليلة الأخيرة من العام ١٩٨١ سارت مسيرة مشاعل كبيرة، ترافقها موسيقى القرب .. لكن في صبيحة اليوم الأول من العام ١٩٨٢، وقفت قيادات فصائل الثورة على أدراج قاعة جمال عبد الناصر التابعة لجامعة بيروت العربية، تحيط بالقائد العام ابو عمار، الذي رفع ذراعه بالتحية العسكرية، بينما كان يجري أول عرض عسكري كان الأول والأخير من احتفالات انطلاقة «فتح». شيء يشبه العروض العسكرية لدول حقيقية في أعيادها الوطنية، وشيء يختلف عنه بماذا؟
كانت بنادق المقاتلين محشوة بالرصاص، كما كانت عربات الرشاشات الخفيفة والثقيلة محشوة بالرصاص، وحتى مدفعية الهاوتزر .. وأخيراً هدرت وفرقعت جنازير دبابات (T54) التي رممتها اللجنة العلمية العسكرية. صار للحركة الفدائية السرية، التي تطورت الى حركة مقاومة عسكرية وشعبية أن تستعرض قوتها كأنها جيش دولة في المنفى.
في تموز من ذلك العام ١٩٨١ جرت بروفة الحرب المقبلة، وأغارت طائرات إسرائيل على «جمهورية الفاكهاني» وردت المدفعية الفدائية بنيران مدافع الهاوتزر على مستوطنات الجليل، مزودة بمفاجأة أجهزة تسديد الرمايات، فطلبت إسرائيل وقف إطلاق النار للمرة الأولى في المعارك بين الثورة والجيش الإسرائيلي.
كان العرض العسكري الفريد بمثابة التحدي لدروس حرب تموز، وردت إسرائيل على التحدي ببدء التخطيط لكسر شوكة جيش جمهورية الفاكهاني، آنذاك، قالت لي زوجتي أن لا مفر من حرب الحسم، التي بدأتها إسرائيل في الرابع من حزيران العام ١٩٨٢.
طالت الحرب الأخيرة صيف ذلك العام، اكثر مما طالت سائر حروب الجيوش العربية مع إسرائيل، وحروب المقاومة معها، عجز جيش شارون عن فرض الاستسلام على رقعة ٩كم٢ دافعت عنها القوات الفلسطينية التي خرجت بسلاحها الفردي وأعلامها في قوافل الخروج المشهدي، الى دول المنافي.
كان ذلك منعطفاً خطيراً آخر بعد الخروج الأردني ثم الخروج اللبناني، وبدا أن احتفالات إيقاد شعلة ذكرى الانطلاقة قد خبت، لكن إيقادها تجدد في أرض البلاد مع حقبة ما بعد أوسلو، وصارت تترافق مع أعياد الميلاد وبدء العام الجديد، ثم خبت مرة أخرى سنوات بعد العام ٢٠٠٠ الذي كان منعطفاً خطيراً آخر.
قيل أن إيقاد شعلة الانطلاقة بعد انكسار الجيوش العربية، وحرب النكسة، كان رداً فلسطينياً، بينما ادعت أنظمة الهزيمة انها لم تؤد الى انهيار النظام بعد انهيار الجيوش.
حرب الاجتياح العام ٢٠٠٠ هددت بتقويض المشروع الوطني الفلسطيني، لكن الأنظمة التي ادعت أن حرب النكسة لم تهددها، ما لبثت أن انهارت بعد العام ٢٠١١.
الاجتياح الشاروني للوجود المسلح الفلسطيني في لبنان أنهى «جمهورية الفاكهاني» لكنه لم ينه القضية الفلسطينية، والاجتياح «الشاروني لسلطة أوسلو عام ٢٠٠٠ بدا أنه قوّض التحول السلطوي الى دولة، لكنه لم ينه المشروع الوطني» وخطة ترامب الجارية لإنهاء القضية الفلسطينية تشكل منعطفاً آخر وخطيراً للمشروع الوطني.
كان الجنرال دايان رمز النصر الإسرائيلي الخرافي في العام ١٩٦٧، وادعى آنذاك أن الانطلاقة الفدائية في اليوم الأول من ذلك العام لا أكثر من بيضة في يده يكسرها، لكن البيضة الفدائية صارت حركة مقاومة فلسطينية عجز عن كسرها في الكرامة ١٩٦٨، ثم عجز شارون عن القضاء العسكري عليها في العام ١٩٨٢، ثم في القضاء السياسي عليها في العام ٢٠٠٠، وإن نجح في تحويل الانسحاب من غزة الى زرع مشكلة كبيرة في المشروع الوطني الفلسطيني.
الحركة التي قادت الكفاح المسلح في العام ١٩٦٥ قادت التحول الى حركة مقاومة، والى سلطة فلسطينية تقود اجتياز منعطف خطة ترامب، بدأت حركة «فتح» في مرحلة ذروة حركات التحرر الوطني، وهي الآن آخر حركات التحرر الوطني او عميدتها.
لم تعد هي الحركة ذاتها التي فجرت الثورة، لكن بقيت هي ذاتها وفية لأهدافها في قيادة المنظمة والسلطة، بينما تكاد تتلاشى الحركة والحزب الذي أسس دولة إسرائيل، وخاض حروبها المنتصرة.
في يوم الانطلاقة الـ٥٥ المصادف للعام الميلادي ٢٠٢٠ ثم إيقاد الشعلة التي ستوقد في عام آخر جديد، وفي سنوية لاحقة على ذكرى الانطلاقة الأولى، التي في طياتها انطلاقات أخرى من المنعطفات الخطيرة المقبلة.
غلابة «يا فتح» لشعب من أكثر الشعوب عناداً وصبراً وتحملاً.