١ - إيقاع الجمعة
لقلب المدينة بطين، لنقل أنه شارع ركب (رسمياً: الشارع الرئيسي) ولها أذين، لنقل أنه شارع السهلة. الأول ينتمي الى رام الله الجديدة - الفوقا مثلا، والثاني الى رام الله القديمة - التحتا.
من ليلة الخميس - الجمعة، يستيقظ شارع ركب صباح الجمعة على وش نعاس من سهرة طويلة، وحدها المقاهي والمطاعم تفتح ذراعيها، ومعظم الدكاكين والمحلات في سبات يوم بطوله.
من ليلة الخميس - الجمعة يستيقظ شارع السهل كطفل او كفلاح، انه شارع مطاعم الفلافل والحمص والفول والشاورما والدجاج المشوي. والمقاهي طبعاً. أربعة او خمسة محلات فلافل ولواحقها، ومعظم الدكاكين والمحلات والتي صارت تضاهي شارع ركب بعد تحديث شارع السهل، تقول لك: صباح الخير.
المدينة واحدة، لكن أذين الشارع، اي «السهل» يخفق اسرع وانشط من بطين الشارع، أي ركب، وفي الإجمال قد تقول ان المدينة جثة غير هامدة. انه «سبات الجمعة» صباح «سبات الجمعة»، او يوم الإفطار العائلي الفلسطيني من فلافل وحمص وفول، ترى طوابير من الناس، وخاصة أمام مطعم «ابو عماد» يتقدمهم أولاد في ثياب النوم، منكوشي شعر الرأس، يحملون صحوناً، او رجال يرتدون ملابس الخروج الرياضية تأهباً لمشوار عائلي خارج المدينة بعد إفطار الصباح.
في شيء واحد يشترك مطعم «ابو عماد» مع بقية المطاعم المتنافسة القريبة على طول الطوابير، وهو صورة الوالد الراحل، فوق الابن الكبير الذي يعدّ الطلبيات بنشاط مذهل.
في شيء واحد يختلف مطعم «ابو عماد» وهو ان سعر الصحن المعتاد هو سبعة شواكل، وليس ثمانية كبقية مطاعم الشارع، او عشرة او ١٢ كمطاعم شارع ركب، بع كثيراً تربح كثيراً.
في مطعم «ابو عماد» التقيت، ذات صباح جمعة الفتحاوي القديم، معلمي في الصف الثالث في سورية، الأستاذ انيس الخطيب، الذي قرأت لاحقا انه كان من الرعيل الأول، الفتحاوي يقولون «مصير الحيّ ان يتلاقى ولقيت انيس، قبلها بسنوات طوال، في صنعاء، خلال مؤتمر اتحاد الصحافيين والكتاب الفلسطينيين، كم كان عمري في الصف الثالث؟ كم كان عمره؟
صحن الفول او سندويشة الفلافل هي وجبة الناس هنا وفي ما جاورها من بلدان، او هي الطبق الشعبي. يقال: هو اقدم غذاء اخترعه الفراعنة!
٢ - إيقاع السبت
هذا هو «يوم الذروة» في أيام الأسبوع السبعة، حيث يدقّ أذين قلب المدينة، وبطين قلبها كما يدق قلب الراكضين المهرولين، او كأنه «يوم الحشر» او سيرك بلا مسرح سيرك، او تصير الشوارع سيركاً.
كل محلات الشوارع مفتوحة مصاريعها، وكل المقاهي كراسيها ملأى، وفي ايدي الناس أكياس انيقة تحتوي ملابس جديدة مثلاً، وكل الامهات الشابات يدفعن عربات اطفالهن، ويعقن انسياب حركة المشاة البطيئة بوقفة ونقاش أمام الفاترينات، وأما حسبة رام الله (او حسبة رام الله - البيرة) فهذا هو يومها الثاني للبيع، بعد يوم الجمعة الأكثر مبيعاً.
عبثاً، تقريباً، تفتش يوم الجمعة في الشارعين، او يوم السبت في الشارعين، عن واحد غيرك يتأبط جريدة او كتاباً.
٣ - إيقاع الأحد / الخميس
هذه بلاد العطل الرسمية الـ ٣٣ وحواشيها. ومن ثم سيضاف الى يومي الجمعة والسبت يوم ثالث، قد يكون الخميس، أو الأحد بالذات وغالباً، لأنه يصادف عطلة او عيد ديني او نقابي او وطني.
كنا نعطل يوم الجمعة وحده، ثم صار السبت عطلة حكومية، واحتراماً للعطل والاعياد الموسمية (من عيد العمال الى عيد المولد النبوي الشريف..الخ) صارت العطلة احياناً ثلاثة ايام تهمد فيها حركة المدينة.
في اسرائيل يفكرون بعطلة من ثلاثة ايام: الجمعة والسبت والأحد، وفي فرنسا، مثلاً، يطالبون بساعات عمل أسبوعية اقل من ٣٤ ساعة، وفي غيرها من الدول يقترحون لمن يتعدى سن الخمسين ثلاثة ايام عمل في الأسبوع.
حواشي الأيام الثلاثة
لهذه الأيام نبضها الذي يتفاوت، لكن مواقف السيارات هي بارومتر هذا النبض، وخاصة في ما قد ندعوه «المنطقة الخضراء» اي قلب المدينة.
الى أشجار الطرق، صار لدينا في قلب المدينة شيء يشبه الأشجار المعدنية، هو أعمدة قميئة من عدادات الدفع المسبق لوقوف السيارات.
من الساعة كذا صباحا الى الساعة كذا مساءً (حسب التوقيتين الشتوي والصيفي) عليك ان تُلقم العداد بالشواقل، كل نصف ساعة او ساعة او ساعتين، والا «يكلبشون» عجلة من عجلات سيارتك وتدفع غرامة لفك قيدها.
في يوم الجمعة الوقوف حرّ ومجاني مهما طال الوقت، لكن جرب أن تجد مكاناً لـ «تبريك» سيارتك يوم السبت، سواء في «البارك» او حافة رصيف شارع، البعض يقول ان «باركينغ» كلمة إنكليزية ملطوشة من كلمة عربية هي «تبريك» الناقة او الجمل؟!
هامش الحاشية
يقولون في الشعر والأدب ان «الأشجار تموت واقفة» لكن اشجاراً ماتت واقفة قد ترى قيامتها من الموات سنوات، وتعود لإطلاق أغصانها.
يفسرون موت الاشجار بحشرات سوس تنخر في سيللوزها فيتقشر جلدها كما لو اصابها «الجذام» لكن الحقيقة ان نسغ الشجرة، او دم الشجرة يجف في عروقها، فتسمع حشرات السوس حشرجة، فاذا بالشجرة وليمة لها.
.. الحال، كما كواسر الطير وبناتها ترى من عليائها ان نبض القتيل قد همد، اي مات، ومن ثم تندفع الجثة (النسر يستطيع ان يرى نبض العروق» او التنفس من علو ٥٠ مترا) كما لو انك تقرأ كتاباً من مسافة ٥٠سم.