يكتب الزميل عماد شقور مقالة أسبوعية لافتة في «القدس العربي». إنه سبعيني ولد في سخنين الجليلية، وكان يوصف، في فترة ما، بأنه أحد مستشاري عرفات في الشؤون الإسرائيلية.
بينما هناك في إسرائيل الصهيونية تحذير من «فلسطنة» رعاياها العرب، هناك فلسطينيون يحذرون من «الأسرلة».
في مقالته يوم 12 آب يحدّد شقور ثلاثة أركان للهُويّة الوطنية ـ القومية ـ الدولانية لخُمس سكان إسرائيل.
هو يقطع، على الترتيب، بأنهم فلسطينيون 100% وعرب 100% وأيضاً، إسرائيليون 100%؟!
أي ركن رابع أو خامس غاب عن ترتيب شقور الثلاثي؟ يمكن للإسرائيلي ـ اليهودي ـ الصهيوني أن يعرّف نفسه كصهيوني أولاً، أو يهودي أولاً، أو إسرائيلي أولاً، لكن لا يمكن لخُمس سكان إسرائيل أن يعرّفوا أنفسهم لا كصهاينة بالطبع، ولا كيهود بالتأكيد.
هل الفلسطينيون في إسرائيل هم إسرائيليون بنسبة 100%؟ لا يمكن فهم هذا دون فهم شعارهم: «هذا وطننا وإحنا هنا»، أو كما قال شاعر منهم: «باقون على صدوركم» أو يمكن فهمه بثنائية شعار جبهة «حداش» الديمقراطية، في مزاوجتها بين شرط السلام الإسرائيلي مع دولة فلسطينية، وشرط المواطنية المتساوية في دولة إسرائيل.
الحال الراهنة لخُمس سكان الدولة كما وصف جورج أورويل في كتابه «مزرعة الحيوانات» عن «المتساوين والمتساوين أقل».
إذا كانت إسرائيل مشروعاً لدولة قومية ـ ديمقراطية يهودية، فإن مشاريع الشركات غير الدول توازن بين الفرص والمخاطر، لكن إسرائيل ـ دولة يبدو أنها تنوس، في هُويّتها كما في علاقتها بالفلسطينيين من بين رعاياها، وبالفلسطينيين تحت احتلالها، بين المحاذير والمخاطر، أي بين «الحل بدولتين» وخيار الضم في دولة واحدة.
أيضاً، تنوس بين حدود الأمن وحدود السيادة، كما بين دولة يهودية، ودولة ديمقراطية.. ودولة جميع رعاياها، أي دولة إسرائيلية غير مذكورة على خانة الهوية الشخصية.
في مقالته 29 تموز يروي شقور حواراً بين بن ـ غوريون ووزير القضاء بنحاس روزين، الذي رأى أن إعلان قيام إسرائيل لا يكتمل دون رسم حدودها، فأجابه بن ـ غوريون: هذا ممكن.. ما دامت التوراة ترسم حدوداً مختلفة.
لعلّ شقور لم يجد داعياً لذكر مفهوم غولدا مائير للحدود، وهو: الحدود حيث يقف الجنود!
الآن ومنذ العام 1967، يقف جنودهم على نهر الأردن كحدود أمنية، يدعو بعضهم لجعلها حدوداً سيادية، بينما الاستيطان اليهودي محا عملياً خطوط الهدنة لعام 1967 أي «الخط الأخضر» الذي يقول العالم ومعه السلطة الفلسطينية أنه حدود الدولتين مع تعديلات طفيفة ومتبادلة.
المطروح الدولي ـ الفلسطيني للحل هو «حل الدولتين» منذ أكثر من عشر سنوات، والعالم يرى أن كل توسع استيطاني ـ يهودي يحمل في طياته محاذير ومخاطر على هذا الحل، كما على صفة إسرائيل كدولة ديمقراطية ـ يهودية.
هناك في إسرائيل من يرى في الدولة الواحدة انتحاراً يهودياً، وهناك من يرى في حل الدولتين مخاطر أمنية تقرب من الانتحار.
كان الديمغرافي ميرون بنفينستي رأى، حتى قبل أوسلو، أن الاستيطان اليهودي وصل نقطة اللاعودة. الآن تطمح خطط الاستيطان إلى توطين مليون يهودي في الضفة حتى العام 2040.
في وعد بلفور عن «وطن قومي يهودي» لا يجور على حقوق مدنية لغير اليهود، لكنه لا يحكي عن حقوق مواطنية متساوية لغير اليهود في هذا الوطن القومي اليهودي.
هناك في فلسطين من يرى في فشل مفاوضات الوضع النهائي للسنوات الأوسلوية الخمس بداية مشكلة «الحل بدولتين» لكن هناك في إسرائيل من يرى في فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 انهياراً لمشروع اليسار الصهيوني، أي لتصوّره «لحل الدولتين» بما يتناسب مع الحفاظ على دولة إسرائيل الديمقراطية اليهودية، وكذلك على مصالحها الأمنية ـ السيادية، من حيث ضمّ جزئي وتوسيع «الخط الأخضر» شرقاً، ودولة فلسطينية صغيرة ومحدودة السيادة ومنزوعة السلاح.
منذ بعض الوقت، هناك في إسرائيل من لا يرى الحل في الانسحاب التام أو الجزئي أو الضم، التام أو الجزئي، بل علاقة إسرائيلية ـ فلسطينية كونفدرالية تحت شعار: بلاد واحدة (من النهر إلى البحر) مع دولتين سياديتين، تضمن بقاء المستوطنين في الدولة الفلسطينية، وكذلك حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة إسرائيل، بذلك لا تصبح الدولة الفلسطينية عربية خالصة، ويتم تغليب الهُويّة الإسرائيلية على الصهيونية واليهودية.
هل هذا هو «الخيار الثالث»؟ علماً بأن أحزاباً في إسرائيل، مثل «الطريق الثالث» كانت وسطاً حزبياً بين إسرائيل العمالية الصهيونية، وإسرائيل الصهيونية الدينية، لكنها لم تكن وسطاً سياسياً ـ أيديولوجياً بين «حلّ الدولتين» و»حل الدولة الواحدة».
في فلسطين، أيضاً، كانت قائمة «الطريق الثالث» وسطية في الفصائل والأحزاب الفلسطينية، لكنها مع الحل بدولتين.
الائتلاف الحاكم في إسرائيل، لا يحسم بين الحلين، بما يذكّر بالجمود البريجنيفي المسؤول عن الانهيار السوفياتي، وجمود غولدا مائير وقولها: «نحن ما نحن عليه» إزاء مشاريع الحل السياسي للاحتلال اللاحق العام 1967.
لا يوجد حل دولي مفروض يحقق «الحل بدولتين»، كما أن الحل بالضم والدولة الواحدة غير مقبول في إسرائيل، لأنه يتعارض مع صفتها اليهودية ـ الديمقراطية.