علي الخليلي  وأبجدية الحياة

علي الخليلي .. وأبجدية الحياة؟!

علي الخليلي .. وأبجدية الحياة؟!

 لبنان اليوم -

علي الخليلي  وأبجدية الحياة

حسن البطل

بعد احتجاب عن "أبجديات" أجلاها المرض، عاود علي الخليلي، مغالباً احتضاره، أبجدياته في "الأيام" بثلاث مقالات: "أنا والسرطان" 21 / 1 / 2013 و"عيادة وزيارة" عن زيارتي له ٢٨ / ١ / ٢٠١٣، ومقالة الغياب الوشيك هذه .. آخر ما جاد به قلمه المثابر والمعطاء. تحية له في رحيله أعيد نشر "أنفاس شجر اللوز.. إذا تنفس الشجر تنفس البشر .. والحياة بأسرها؟! حسن البطل * * * كِنتي أزهار زوجة ابني هيثم، قالت لي إن شجرة اللوز في حديقة دارنا أزهرت. كأنها قالت لي إن الأرض كلها تألقت بكامل بهائها الربيعي. شجرة اللوز هي السبّاقة دائماً إلى التنفس، قبل غيرها من الشجر. والشجر إذا تنفس (استعارة من "والصبح إذا تنفس"، إذا استوفى بدايات تدفق ضوئه من آخر لحظات الليل، وإذا الشجر أطلق صحوة براعمه بعد سباته الطويل). فرحتُ. ورفعت عنقي قليلاً، مشرئباً بناظري نحو النافذة، وأنا في خناق السرير، وحصار الغرفة، كأنني أريد أن أشاهد ثوب الزفاف الأبيض الذي أحضرته شجرة اللوز من خاصرة غيمة قريبة، كما تفعل كل سنة في هذا الميعاد، قبل أن تطويه بعد بضعة أيام، وتعيده إلى المخبأ المخملي الذي اختارته له. نافذة غرفتي بعيدة عن الإشراف على الحديقة. هي في الجهة الغربية، والحديقة في الجهة الشرقية. لم أر شيئاً. حزنت. أضفت حزني إلى ألمي. أنا أتألم على مدار الساعة، وعلى مدارها أحاول أن أصنع من هذا الألم المتواصل إرادة متواصلة لي. ماذا أريد؟ أن أتغلب على هذا الجسد الخائن مثلاً؟ أن أنتصر على خيانته؟ أن أغير القوانين الفيزيائية بقوانين تصعد من هذه الإرادة الذاتية؟ أذكر أنني كتبت مقالة قبل عشرين سنة أو أكثر، عن كاتب أوروبي أصابه شلل تام شمل كل جسده، بكامل حركاته وسكناته، باستثناء حركة رموش عينيه. وقد استطاع أن يُملي نص قصة له، على صديقته الوفية التي لم تفارقه أبداً، وفق نظام توافقا عليه، لحركة رموشه، كل حركة تعني حرفاً، وكل وقفة تعني جمعاً لأحرف في كلمة. وهكذا، حكاية أقرب إلى الخرافة. أو إلى الكذب. وربما إلى الجنون. أو إلى شهقة التمني الجارف لهذا المشلول. ولكنها ليست خرافة، وليست كذباً، أو جنوناً أو شهقة. بل قوة إنسان ببعده الأسطوري في تجلياته الإنسانية المتحدية. نسيت مع الأسف الشديد اسم هذا الكاتب العملاق. لكنني أذكر على الأقل، اسم قصته "الصدرية والصياد"، إن لم تخذلني الذاكرة هنا أيضاً، فأخطئ في هذا الاسم. لا طاقة لي بمثل هذه القوة الخارقة، حتى في استلهامها، أحس برجفة في الأعماق. لعلها طفرة تطويع للطبيعة لا تتكرر إلا كل مليون عام! ولا أحسب أنني أعيش الآن أحوال هذا التكرار المهيب. مع ذلك، لا أفقد القدرة على تلمس طريقي إلى تداعيات الرؤية ومكابداتها في أطيافه المتوفرة لكل الناس. هذه السنة، لن أتمكن من النزول إلى الشجر وقد تنفس، أو من الصعود إليه على الأصح، فأكلمه ويكلمني، وأفتح لمخيلتي خزائنها المغلقة في الكلام، وفي الصمت. نحن نصعد إلى هذا المهرجان الكوني، ولا ننزل إليه. هو الأعلى، ونحن الأسفل. رجلاي حطبتان معلقتان في خصري. أشتاق إلى المشي على الأرض. غرفتي مليئة بكل آلات ووسائل المساعدة على تحركي خارج خناق السرير. كرسي متحرك، ووكر، عكاز. لكنها جميعها لا تساعدني على استخدام الأدراج. وبيتي مليء بهذه الأدراج. والحديقة مرتاحة في مساحة ترابها، في السياق المترتب لها بعيداً عنها. أحاول أن أكتفي بما يوفره لي السرير المتحرك، من الانتقال من زاوية إلى أخرى، داخل الغرف. أطل من نافذة إحداها على الحديقة، فلا أرى سوى رؤوس الشجر، أو بعض هذه الرؤوس المتسارعة بأغصانها إلى منهل الحياة. أبحث عن شجرة اللوز، فلا أراها، ولو شيئاً من أغصانها. تلطمني الكآبة. لكنني أتمرد عليها. أرتفع بصدري إلى أعلى فوق حافة النافذة، فأرى غصناً مكللاً بالفرح النوراني منها. أرى في هذا الإكليل غير ما يرى العابرون قربي، أو بعيداً عني. أرى أن رجليّ صارتا من لحم ودم. لا حطب ولا انفصال. وأنني قادر على المشي على الأرض. أمشي في الغرفة خطوة، خطوتين. لا بأس. مشيت. تواصلت مع الأرض بجسدي(..) لعنة على التدخين. وعلى هذا الموت الجانبي. لكنني أدخن في السرير، وخارجه. وأعبر في الحلم المهلهل، من قشرة غفوة إلى أخرى، متهدج الأنفاس، بحثاً عن أنفاس الشجر. علي الخليلي  

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علي الخليلي  وأبجدية الحياة علي الخليلي  وأبجدية الحياة



GMT 19:47 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 19:45 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 19:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 19:39 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

GMT 19:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

السينما الإيرانية.. السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»!

GMT 19:34 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 19:30 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الصندوق؟!

GMT 19:27 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلاهما مُر

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل
 لبنان اليوم - غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل

GMT 13:59 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:41 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 09:34 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنظيم مكتب الدراسة وتزيينه في المنزل المعاصر

GMT 12:35 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

"تي باو" تطلق اللاب توب Tbook X11 الجديد

GMT 21:10 2021 الثلاثاء ,14 أيلول / سبتمبر

طنجة عروس شمال المغرب افضل وجهات شهر العسل لصيف 2021

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 19:09 2023 الأحد ,09 إبريل / نيسان

تنانير عصرية مناسبة للربيع
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon