حسن البطل
لم يُقتل أو يستشهد، بل وافت المنيّة الملازم أوّل أحمد الخطيب، الضابط اللبناني الصغير المنشق عن جيش بلاده، ومؤسس وقائد "جيش لبنان العربي".
من يتذكر ضابطاً في جيش صار قائداً لجيش، أو من يتذكر "جيش لبنان العربي" وقد مرّت قرابة أربعين عاماً على تأسيسه مطلع الحرب الأهلية اللبنانية؟
في ذلك الزمان، الذي يبدو غابراً، انحاز "الليفتنانت" أحمد الخطيب إلى ما كان "الحركة الوطنية" اللبنانية سياسياً، وذراعها العسكرية التي كانت "القوات المشتركة" اللبنانية ـ الفلسطينية، ضد "القوات اللبنانية"، وكان المعسكر الأول يتم تعريفه في الوكالات بـ "القوات اليسارية" والثاني "القوات اليمينية" وأحياناً "القوات المسيحية" و"القوات التقدمية".
للتعريف أكثر: القوات الفلسطينية وحلفاؤها من الميليشيات اللبنانية، والقوات الكتائبية وحلفاؤها من الميليشيات اللبنانية.. وفي الوسط انشق موقف النظام اللبناني بين رئاسة الجمهورية وبعض الحكومة، وبين رئاسة الوزراء وبعض الحكومة.
كان مطلب القوات الكتائبية ـ المسيحية هو إنزال الجيش اللبناني لحسم المعركة والصراع مع القوات المشتركة، لأن قيادته العليا كانت مسيحية ـ مارونية، وغالبية قاعدته كانت إسلامية (سنية، شيعية، درزية).. إلخ!
كان المطلب اليميني يعني انقسام جيش لبنان، ونشوب "حزب ثكنات" فيه بينما الشعب والبلاد والحكومة منقسمة، لكن دون أن ينقسم مجلس النواب اللبناني.. ولو تعطّل عن العمل حقبة طويلة، ونقل مقره الدائم وسط البلد إلى منطقة محايدة بين البيروتيتين (معبر ومنطقة المتحف).
تصرّف "جيش لبنان العربي" كأنه ميليشيا نظامية، وشارك في المعارك ضد الميليشيا المسيحية، وصار له ذراع شرطية تقوم بتنظيم حركة السير في مدينة صيدا مع الكوفيات على الرقاب، وما لبث أن انضم إليه الضابط برتبة رائد أحمد بوتاري، وكان ضابطاً لامعاً في المدفعية، وبقي الملازم أول احمد الخطيب قائداً للجيش!
لم تنشب "حرب ثكنات" بين قطعات الجيش اللبناني، وبدأ عقد "جيش لبنان العربي" في الانفراط بعد تدخل الجيش السوري، لأن الرائد أحمد بوتاري رفض القتال ضده، بدعوى أن جيشاً عربياً لا يقاتل جيشاً عربياً.
انفرط جيش أحمد الخطيب بعد أن اعتقله الجيش السوري، الذي حاول لعب دور رادع ومتوازن بين الميليشيات، فقد تدخل بداية ضد المعسكر الفلسطيني، ثم ضد المعسكر اليميني.
لا أعرف كم سنة أمضى أحمد الخطيب في السجن السوري، لكنه خرج منه معتلاً ومريضاً، ثم وافته المنيّة هذا الأسبوع، ولا أعرف مصير أحمد بوتاري الذي رفض مقاتلة الجيش السوري لأنه "عربي".
لكن، ما أتذكره أن الرائد بوتاري كان ضابط مدفعية برهن عن احترافه العالي عندما أمر بقصف صارية (أنتين) محطة تلفزيونية موالية للمعسكر المسيحي في شرق بيروت، وتم ذلك بثلاث طلقات : للتقريب، والتسديد، ثم الإصابة الدقيقة التي طوّحت بالصارية!
لبنان اليوم، شعباً وجيشاً وأحزاباً، غيره لبنان سبعينيات القرن المنصرم، ولو أن قاعدة انقسامه السابقة بسبب الفلسطينيين لا تختلف كثيراً عن أساس قاعدة انقسامه قبل أربعين عاماً: قسم مع سورية (وتدخلها في لبنان) وقسم ضد سورية (وضد تدخل حزب الله والحزب السوري القومي، وبعض الحزب الشيوعي) في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. لكن الجيش اللبناني صار الأكثر تماسكاً، بعد خضة جيش لبنان العربي، ثم حرب العماد ميشال عون، رئيساً عرفياً للجمهورية، ضد الجميع... والآن صار حليفاً لسورية متسبباً في انقسام غريب : مسيحي ـ مسيحي وإسلامي ـ إسلامي في الموقف من الحرب الأهلية السورية.
المفارقة، أيضاً، متمثلة في موقف الرئيس السابق أمين الجميل (الكتائبي) فقد قال بعد أن قصفت المدفعية السورية القصر الجمهوري في "بعبدا": سيأتي يوم ويرتد فيه القصف إلى دمشق.
الآن، يقول أمين الجميل نفسه إن ما يجري في سورية مؤامرة و"لمصلحة من يتم إضعاف الجيش السوري"؟.. وفي الخلفية خوف المسيحيين اللبنانيين من المعارضة الإسلامية المسلحة.
لبنان كان مختبرا أول للحروب الأهلية العربية، والآن صار مختبرا لحرب أخرى بين دعاة "الربيع العربي" ودعاة معارضيه.
كان "جيش لبنان العربي"وصار أثراً بعين عين. وكان أحمد الخطيب ناراً على علم الحرب الأهلية اللبنانية ثم مات.. وصار سطرين أو ثلاثة في أخبار لبنان.
لدغة
أطرف أخبار المصالحة الفلسطينية ما ورد في صحف الأمس، عن اتفاق فتحاوي ـ حمساوي لوقف التحريض المتبادل، أي "التعريض"المتبادل والتهجمات المتبادلة.
.. ذكّرني هذا بزمن عربي كانت الأنظمة تتفق على وقف الحملات الإعلامية، وحتى سنّت القمم العربية قانون عدم التعريض بالملوك والرؤساء!
الأصل هو التحريض بين إسرائيل وحكومتها وإعلامها وبين الفلسطينيين وحكومتهم وإعلامهم.. أول ما يجب وقف منع الصحف الفلسطينية عن التداول في غزة والضفة؟!